ظهرت الشام على مسرح الحضارة العالمية منذ أواخر الألف الرابعة قبل الميلاد، وهيأها لذلك موقعها بين حضارتى وادى النيل ووادى دجلة والفرات، مما جعلها تنتقل سريعا من عالم البداوة والرعى إلى عالم الزراعة والاستقرار، وكان مما أسرع بها إلى هذه الغاية وقوعها فى مفترق طريق العالم على الحافة الشرقية للبحر المتوسط، مما أتاح لها أن تكون دولة بحرية على الأقل فى شواطئها فتشارك فى الملاحة والتجارة على نحو ما هو معروف عن الفينيقيين وإتقانهم لفنى التجارة والملاحة، وقد استطاعوا أن يشتقوا من حلل الحروف الهيروغليفية المصرية أبجدية لهم، هى أم الأبجديتين اليونانية والرومانية اللاتينية. وقد أخذت الشام تعيش عصرا هيلينيا منذ دخلها الإسكندر المقدونى، ومضت تتعمق الثقافة الهيلينية فى زمن خلفائه السلوقيين اليونانيين وزمن الرومان، واستطاع كثيرون من أهلها أن يتقنوا اليونانية وأن يسهموا فى تراث اليونان الفكرى والأدبى، وبخاصة سكان الثغور من غزة جنوبا إلى أنطاكية شمالا. ولمعت أسماء كثيرين من أبناء هذه الثغور فى مجال المشاركة الفلسفية وبخاصة فى صور وصيداء، سماهم وتحدث عن نشاطهم الفكرى فيليب حتى وخاصة فى مجال الفلسفة الرواقية والأفلاطونية الحديثة، إذ ذكر أنه كان فى بيروت مدرسة تعنى بدراسة القانون الرومانى منذ أوائل القرن الثالث الميلادى، ويستظهر أن تكون اللاتينية لغة التعليم بتلك المدرسة، وإن كانت قد عادت مع أوائل القرن الخامس وسيطرة القسطنطينية عليها إلى اللغة اليونانية. وبالمثل شارك أبناء الثغور الشامية فى الأدب اليونانى ولمع فى صيداء اسم غير شاعر كان ينظم باليونانية.
وكل ذلك كان يصل الشام فكريا وفلسفيا وأدبيا ولغويا بالثقافة اليونانية، وإذا كانت قد اشتقت أبجديتها من الأبجدية الفرعونية، فإن مصر أثرت فيها تأثيرا بعيدا فى عصرها المسيحى، إذ