للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مما ليس له فيها، فإن الدنيا دار فناء، ولا سبيل إلى بقائها، ولا بد من لقاء الله عزّ وجل، فأحذرّكم الله الذى حذرّكم نفسه، وأوصيكم بتعجيل ما أخرّته العجزة، قبل أن تصيروا إلى الدار التى صاروا إليها، فلا تقدروا فيها على توبة، وليست لكم منها أوبة».

وواضح ما فى هذه الموعظة من حسن التقسيم ودقة التفكير وسلامة المنطق والقدرة على الإقناع بالحجة، وحقّا ما قاله عنه بعض معاصريه، وقد استمع إليه فى بعض خطبه، من أنه أوتى حسن البيان وبراعة الخطاب.

[٣ - خطباء المحافل]

مرّ بنا أن العرب عرفوا من قديم هذا اللون من الخطابة، إذ كانوا يقدمون على ملوكهم وأمرائهم، فيخطبون بين أيديهم مثنين عليهم، ومفاخرين بقبائلهم.

وكانوا يخطبون فى أقوامهم مصلحين بين العشائر أو منافرين أو حاثين على الحرب أو داعين لأن تضع أوزارها. وكثيرا ما خطبوا فى الأسواق وفى عقد المصاهرات.

ونراهم بعد فتح مكة يقدمون على الرسول زرافات، يتقدمهم خطباؤهم وكانوا كثيرا ما يخطبون بين أيدى الخلفاء الراشدين. ولا نتقدم فى عصر بنى أمية، حتى تنشط هذه الخطابة نشاطا واسعا، وكان مما أذكى جذوتها فى نفوسهم أن الأمويين وولاتهم فتحوا أبوابهم للعرب، كى يطمئنوا إلى حسن ولائهم لدولتهم، فكانت وفودهم تمثل بين أيديهم، وكانوا يغدقون عليها إغداقا واسعا.

ومعاوية هو أول من فتح أبوابه على مصاريعها لتلك الوفود، فكانت ترد تباعا إلى ساحته، تعلن تارة ولاءها، وتارة تعرض ظلامة لها، وهو دائم الحفاوة بها، يضفى عليها من نواله الغمر، وتبعه الخلفاء الأمويون من بعده يستنوّن سنّته.

وممن اشتهر بالخطابة بين يديه سحبان، خطيب وائل، وقد اشتهر بخطبته «الشّوهاء» التى خطب بها عنده، فلم ينشد شاعر ولم يخطب خطيب (١)،


(١) البيان والتبيين ١/ ٣٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>