للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى الحصرى متبرم بأصدقائه لما يلقى من أذاهم، وقد يظن بشخص خيرا فيصفيه الود لما رأى من بعض صفاته، حتى إذا اختبره وجد أخلاقه كدرة غير صافية، ويعجب هل أساء إلى الناس جميعا حتى لا يجد بينهم صديقا موافقا، وجعله ذلك لا يسرّ بمن يحاول صداقته ولا يأسى على من ينقضها نقضا، ويعود فيقول إنه يقمع ويقهر كل من يحاول انتقاصه، وأما من يمد له يد الوداد فإنه يصبح وامقا له ومحبا. ويلقانا عتاب عنيف بين وزير المستنصر الحفصى محمد بن أبى الحسين وشيخ قبيلة سليم: عنان بن جابر، وسنخصه بكلمة، ويرسل شاعر العصر الحسينى الأول على الغراب الصفاقسى بمقطوعة شعرية لمحمد بن كمون يعاتبه لإبطائه فى كتابة عقد له (١):

يا أبا عبد الله حتّام أسعى ... لك فيما أروم شهرا فشهرا

هل لهذا الوقوف منك وجريى ... غاية ينتهى لها الجرى أخرى

ما أرى فى قضاء ما رمت عسرا ... ولئن كان، إن للعسر يسرا

ليت شعرى أفى وقوفك هذا ... طول جرى تروم أم رمت أجرا

وهو يعتب على الكمونى أنه دائم السعى له والإلحاح عليه لا يوما بعد يوم بل شهرا بعد شهر ليكتب له العقد، والكمونى يسوّف ويماطل، ويقول له ليس فيما أريده عسر، وإن كان فإن للعسر يسرا، ويسأله هل تريد منى طول جرى لمزيد من الإلحاح أو تريد منى مزيدا من الأجر.

وحرى بنا الآن أن نتوقف لنخص شاعر الغربة ابن عبدون بكلمة، وبالمثل شاعر العتاب الغاضب: ابن أبى الحسين.

ابن (٢) عبدون

هو محمد بن عبدون الوراق من أهل مدينة سوسة على ساحل البحر، وينوّه ابن رشيق بشعره قائلا إنه «شاعر وطيء الكلام، كلف بعذوبة اللفظ والتسلّل إلى المعنى البعيد بلطافة وسكون جأش». وحدث أن توفيت زوجته وابنه فى آن واحد، ففارق بلدته «سوسة» فى سنة ٣٩٣ للهجرة ورحل إلى جزيرة صقلية ونزل على أميرها ثقة الدولة يوسف بن عبد الله ومدحه، وكان قد أناب عنه فى الحكم ابنه جعفرا منذ سنة ٣٨٨ لإصابته بالفالج، فألحقه بابنه، فأدناه وقربه، غير أنه سرعان ما حنّ إلى بلده، فرفع إلى جعفر قصيدة يسأله فيها الرجوع إلى وطنه، وصوّر مدى رغبته فى ذلك من خلال تشوقه إلى رؤية قصر طارق وكان رباطا بقرب سوسة، له


(١) الديوان ص ٣١٠.
(٢) انظر فى ترجمة ابن عبدون الأنموذج ص ٣٩٠ والحلل السندسية ٢/ ٣٠٧ والمجمل فى تاريخ الأدب التونسى ص ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>