للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مأثورة فى بعض أشعاره (١). ومن ثمّ اجتمع للخمرية عنده طرافة المعنى وحلاوة النغم، وقد مضى يؤثر الأوزان الخفيفة والمجزوءة من مثل الهزج والرّمل، بل لقد هداه ذوقه الموسيقى إلى اكتشاف وزن المجتثّ، فكان أول من نظم فيه (٢) وإذا صحت الخطبة الشعرية التى يقال إنه خطب بها فى يوم جمعة-وهى موعظة (٣) طويلة-كان أول من أعدّ لصورة المزدوجات التى شاعت بين أصحاب الشعر التعليمى فى العصر العباسى

أبو الهندى (٤)

هو غالب بن عبد القدوس بن شبث بن ربعىّ الرياحى التميمى، وقيل اسمه عبد الله وقيل بل عبد المؤمن، أدرك دولة بنى العباس ومات فى خلافة المنصور. وكان رحل إلى خراسان واستوطن فى أواخر عمره سجستان، واشتهر منذ مطالع حياته بالفسق وفساد الأخلاق ومعاقرته الشراب. ويقال إنه كان بخراسان يشرب على قارعة الطريق، فمرّ به نصر بن سيار واليها للأمويين، فقال له: ويحك يا أبا الهندى ألا تصون نفسك؟ قال: لو صنتها لما وليت أنت خراسان. ولما انتقل إلى سجستان نزل بموضع يقال له بالفارسية: «كوى زيان» وتفسيره بالعربية سكة الخسران، كانت تباع فيه الخمر وتقترف الفواحش.

وكان شاعرا بارعا، وقد وهب شعره جميعه للخمر، وهو من هذه الناحيه يعد متمما للوليد بن يزيد، إذ دفع معه الشعر العربى إلى تمثل الخمرية بكل شياتها المعنوية والموسيقية، وشهد له بذلك غير ناقد، حتى لنرى إسحق الموصلى يقول إن معانى أبى نواس وطبقته فى الخمر مستمدة من أشعاره فيها، ويقول ابن المعتز: «كان جماعة مثل أبى نواس والخليع وأبى هفّان وطبقتهم إنما اقتدروا على وصف الخمر بما رأوا من شعر أبى الهندى وبما استنبطوا من معانيه». وله فى مداومة سكره وعدم إفاقته منه قصة تشبه قصة أبى نواس مع والبة. إذ يقال إنه


(١) الأغانى ٩/ ٢٧٤ و ٧/ ٣٢، ٤٤.
(٢) انظر كتابنا الفن ومذاهبه فى الشعر العربى (طبع دار المعارف) ص ٥٩.
(٣) الأغانى ٧/ ٥٧.
(٤) انظر فى ترجمته أغانى (ساسى) ٢١/ ١٧٧ والشعر والشعراء ٢/ ٦٦٣ وطبقات الشعراء لابن المعتز (طبع دار المعارف) ص ١٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>