للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رحلة (١) ابن رشيد

من أقدم الرحلات المغربية وأهمها رحلة ابن رشيد محمد بن عمر الفهرى، وحدثنا عنها وعن مؤلفها الأستاذ محمد بن تاويت فى الجزء الثانى من كتابه «الوافى» ونقل عن ابن خلدون أنه كبير مشيخة المغرب وسيد أهله كما نقل عن أبى البركات البلفيقى أنه من أهل المعرفة يعلم القراءات السبع وصناعة العربية وعلم البيان والآداب والعروض والقوافى مشاركا فى غير ذلك من الفنون أديبا خطيبا بليغا، ينظم الشعر على تكلفه ويجوّد النثر، ولد سنة ٦٥٧ هـ‍/١٢٥٩ م وتوفى حوالى سنة ٧٢١ هـ‍/١٣٢٢ م بدأ رحلته فى الخامسة والعشرين من عمره، سنة ٦٨٣ وسجل فيها كل ما شاهده من البلدان والشيوخ ومجالسهم وأخذه عنهم، وسماها: «ملء العيبة (الحقيبة) فيما جمع بطول الغيبة، فى الوجهة الوجيهة إلى الحرمين: مكة والمدينة». وتعد مرجعا مهما لعلماء مصر والبلدان المغربية فى أواخر القرن السابع الهجرى، إذ امتدت رحلته أربع سنوات، وهى فى خمس مجلدات ولا تزال مخطوطة وربما كان طولها هو الذى منع حتى الآن من طبعها، وأسلوبه فيها-كما يقول الأستاذ ابن تاويت-مرسل إلا فى وصفه لبعض الشخصيات العلمية أو لبقعة طيبة فإنه يصوغها سجعا خالصا كقوله عن حازم القرطاجنى:

«حبر البلغاء، وبحر الأدباء، ذو اختيارات فائقة، واختراعات رائقة، لا نعلم أحدا ممن لقيناهم جمع، من علم اللسان ما جمع، ولا أحكم من معاقل البيان ما أحكم من منقول ومبتدع، وأما البلاغة فهو بحرها العذب، والمنفرد بحمل رايتها أميرا فى الشرق والغرب، وأما حفظ لغات العرب وأشعارها وأخبارها، فهو حمّاد (٢) راويتها وحمّال أوقارها» (٣).

ويخص مصر بالجزء الثالث من رحلته، ونسوق منه وصفه لمجلس لعالم مصر فى العربية لزمنه: بهاء الدين بن النحاس الحلبى الأصل تلميذ ابن مالك وأستاذ أبى حيان، يقول:

إنه «حضر درسا له، فسأله ابن النحاس بعد تدخله فى مسألة نحوية: من أين قدومك، قال ابن رشيد: قلت: من المغرب. قال: من الإسكندرية؟ قلت: من أبعد؟ قال: من تونس؟ قلت: من أبعد، قال: إذن من جوّا (من داخل) المغرب؟ قلت: نعم، فقال من أى بلاده؟ قلت: من «سبتة» فكان أول ما فاتحنى به أن قال: أيعيش سيدنا أبو الحسين بن أبى الربيع قلت: نعم، فقال: ذاك شيخنا، إفادة بوصول كتابه اليتيم إلىّ، يريد شرحه


(١) انظرها فى الوافى ٢/ ٣٨٥ وما بعدها. وتوسع المقرى فى الحديث عنه وعن رحلته وشمائله وشيوخه غربا وشرقا وتآليفه ويقول إنه كان ظاهريا ثم يعلق على ذلك بأن المعروف أنه كان مالكيا ويذكر عنايته بالحديث النبوى. انظر أزهار الرياض ٢/ ٣٤٧.
(٢) حماد هو حماد راوية الكوفة المشهور.
(٣) أوقار جمع وقر: حمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>