أو تكون هاجر أمة لسارة. وينقض على ابن غرسية كل ما أشار إليه من خبر أو أسطورة تتصل بالعرب، ويشويه ويشوى العجم معه بسياط من أهاجيه، ويتهكم على ما افتخر به من علوم الأعاجم، ويقول إنه كفخر الجارية بهودج سيدتها، إذ العلوم التى ذكرها إنما هى علوم اليونان والفرس والكلدان. ويتهكم على موسيقاهم التى يندبون بها فى نواحهم ويقصفون عليها فى أعيادهم. ويفخر بانتصار العرب على الفرس والروم فى القادسية واليرموك. ويتمدح بما يجلبه العجم للعرب من القيان والدّنان، كما يتمدح بشغف العرب بالمرأة وما لهم فيها من الغزل الرقيق مع ما يميزهم من الشجاعة والإقدام حتى ملكوا الأرض، وتلك منازلهم منها بمكان الغرّة. ويقول ابن مسعدة: كفى ابن غرسية والعجم أن فى العرب رسول الله هادينا ومرشدنا سيد البشر وشفيع هذه الأمة وسفير يوم العرض وإمام أهل السموات والأرض، وبه يفاخر العرب البشر، ويناظرون الشمس والقمر.
ويشيد ابن مسعدة فى ختام الرسالة بابن تومرت داعية الموحدين وخليفته عبد المؤمن بن على مؤسس دولتهم فى المغرب والأندلس.
وواضح-مما تقدم-أن الشعوبية فى الأندلس لم تؤيدها إلا رسالة وحيدة لابن غرسية البشكنسى، وكأنها شئ عارض أو كأنها حجر ألقى فى بحر لجى للعروبة، فلم تترك أثرا وراءها سوى ما كان من كثرة الردود عليها طوال القرنين الخامس والسادس للهجرة، وهى كثرة تدل-دلالة بيّنة-على تعمق نزعة العروبة فى الأندلس وأن الأندلسيين كانوا يستشعرونها دائما بقوة، أما ما نقرؤه أحيانا عن عالم أندلسى أو أديب هناك من أنه كان شعوبيا فإنما كان يوصف غالبا بذلك لنزعة وطنية تجعله يشيد بأبناء وطنه لا لنزعة شعوبية معادية للعرب. وقد ظلت الأندلس بعيدة عن استشعار تلك النزعة كما ظلت بعيدة عن استشعار نزعة الزندقة والإلحاد المعادية للإسلام.
[رسائل نبوية ومواعظ]
[(أ) رسائل نبوية]
للأندلسيين كتابات كثيرة فى مناقب الرسول صلى الله عليه وسلم، على شاكلة كتاب الشفا فى التعريف بحقوق المصطفى للقاضى عياض حافظ المغرب والأندلس المتوفى سنة ٥٤٤ ولسنا نريد الحديث عن مثل هذه الكتابات الجليلة إنما نريد أن نتحدث عن رسائل نبوية كثيرة صوّر فيها الأندلسيون شوقهم الحار لاكتحال عيونهم برؤية الروضة الشريفة