تموج كتب الأدب والتراجم بكثير من رسائل الأدباء والكتاب المصريين الشخصية والإخوانية فى التهنئة والتهادى والشكر والعتاب والاعتذار والاستعطاف والتعزية. وعادة معانيها محدودة، ولكن أصحابها يحاولون إظهار براعتهم بإطالتها وتحبير عباراتها ونشر زخارف البديع ومحسناته عليها حتى تروق من ترسل إليهم وتبلغ من التأثير فيهم المبلغ المنشود. وممن برعوا فى تدبيجها وكتابتها فى أيام الفاطميين عبد المجيد بن أبى الشخباء العسقلانى الكاتب الديوانى لزمن الخليفة المستنصر، وسنخصه بحديث مفرد، وكان لا يكاد يقل عنه إحسانا فى تلك الرسائل سبطه أو ابن ابنته الحسن (١) بن زيد الأنصارى الكاتب مثله فى الدواوين الفاطمية، وكان جده لأبيه شاعرا، وهو على بن إسماعيل، وكان أيضا فقيها ولى قضاء الأردن للفاطميين، ويقول السلفى فى معجمه: لم يكن له نظير فى الأدب بقطره سوى ابن أبى الشخباء، وقتلهما بدر الجمالى وزير المستنصر. والحسن بن زيد بذلك سليل قتيلين وكأنما كتب عليه أن يقتل مثلهما، وتولى إثم ذلك الحسن بن الخليفة الحافظ (٥٢٤ - ٥٤٣) فى أوائل خلافة أبيه لأبيات فى هجائه دسّها بعض معاصريه عليه، وكأنما أراد القدر أن يثأر له وكان الحسن قد استبدّ بتنفيذ الأمور دون أبيه فدس عليه السم فى طعامه فمات لسنة ٥٢٨.
وواضح أن الحسن بن زيد-كما يقول ابن سعيد- «عريق النسب، فى صناعة الأدب، يمتّ إليها بأوفى ذمام، ويضرب فيها بأخوال وأعمام» ويقول العماد الأصبهانى: «وصفه القاضى الفاضل وأثنى على فضله، وأنه فى فنه لم يسمح الدهر بمثله». واحتفظ العماد له فى خريدته بطائفة من رسائله الديوانية والشخصية، من ذلك قوله فى رسالة إلى صديق يهنئه بالبرء من مرضه.
«إذا قدم الوداد، وصحّ الاعتقاد، وصفت الضمائر، وخلصت السرائر، حلّ الإخاء المكتسب، محلّ أخوة النسب، وصار المتعاقدان على الإيثار، والمتحابّان على بعد الدار، متساهمين فيما ساء وسرّ، ومتشاركين فيما نفع وضرّ، وتلك حالى وحال حضرة مولاى فانى وإياها
(١) انظر فى ترجمة الحسن بن زيد الخريدة (قسم شعراء مصر) ٢/ ٦٧ وما بعدها والمغرب (قسم القاهرة) ص ٢٣٧ ومعجم السلفى ص ٤٤٨.