للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«فلم يفر العجاج (١) إلا عن قتيل مرسل، أو غريق معجّل، أو جريح معطّل، أو أسير مكبّل، أو مستأمن محصّل، أو حقيبة ملأها الله بلا تعب، أو غنيمة أفاءها الله بلا نصب».

وواضح من كل ما قدمنا أن السجع أصبح منذ خلافة المقتدر اللغة العامة للدواوين، فالرسائل تمتلئ بزخارفه ولآلئه. إذ غدا المثل الأعلى للجمال الفنى فى الكتابة الديوانية، فلابد فيها من قوافيه وفواصله، ولا بد من تساوق أنغامه وألحانه فى الكلام.

[٥ - الرسائل الإخوانية والأدبية]

رأينا فى كتاب العصر العباسى الأول كيف أن الرسائل الإخوانية ازدهرت حينذاك، إذ اتخذها الأدباء لتصوير عواطفهم ومشاعرهم فى الخوف والرجاء والرهبة والرغبة والمديح والهجاء والتهانى والعتاب والاعتذار والاستعطاف والتعزية والاستمناح.

وبذلك نافس النثر الشعر فى مجالاته الخاصة: مجالات الوجدان، وأظهر الكتّاب فى ذلك براعة فائقة، إذ كان كثير منهم بلغ الذروة فى الفن الكتابى، وأيضا فإن الشعراء أنفسهم أدلوا بدلائهم فى تلك الرسائل حين وجدوها شديدة التأثير فى نفوس من توجّه إليهم. وبذلك توفّر للرسائل الإخوانية كثيرون من الكتّاب والشعراء النابهين، الذين استطاعوا أن يبثوا فى النثر طاقات جديدة من طرافة التفكير ودقة التعبير، حتى لنرى قوما إذا سئلوا عن الكلام أو الوصف هل يكون شعرا أو نثرا فضّلوا أن يكون نثرا، فقد روى المسعودى عن أبى العباس المكى نديم محمد بن عبد الله بن طاهر أنه كان ينادمه ذات ليلة فى سنة ٢٥٠ للهجرة، فسأله أن يصف له الطعام والشراب والطيب والنساء والخيل، فقال له: أيكون ذلك منثورا أو منظوما؟ قال: لا، بل منثورا (٢) فالنثر أصبح له القدح المعلّى على


(١) العجاج: غبار الحرب.
(٢) مروج الذهب للمسعودى ٤/ ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>