للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن سليمان بن وهب (وزير المكتفى) أحسن حركة، ولا أظرف إشارة، ولا أملح خطّا، ولا أكثر حفظا، ولا أسلط قلما، ولا أقصد بلاغة ولا آخذ بقلوب الخلفاء من ابن مقلة» (١) وهو صاحب الخطّ الذى تضرب به الأمثال، وهو أول من نقله من الوضع الكوفى إلى الوضع الذى شاع فى العالم العربى، وكان أول من رفع من قدره أبو الحسن بن الفرات، وخاصة فى وزارته الثانية آنفة الذكر، حتى علت حاله وعرض جاهه، ولكنه عاد فاستوحش منه ونكبه. ثم خلص من المحنة، واستوزره المقتدر ومن جاءوا بعده، واحتفظ له كتاب النجوم الزاهرة برسالة أنفذ بها إلى ابن الفرات وقد طالت به المحنة، تجرى على هذا النمط (٢):

«أمسكت-أطال الله بقاء الوزير-عن الشكوى، حتى تناهت البلوى، فى النفس والمال، والجسم والحال، إلى ما فيه شفاء للمنتقم، وتقويم للمجترم، حتى أفضيت إلى الحيرة والتبلّد، وعيالى إلى الهتكة والتشرد. وما أبداه الوزير -أيّده الله-فى أمرى إلا بحقّ واجب، وظنّ غير كاذب. وعلى كل حال فلى ذمام وحرمة، وصحبة وخدمة إن كانت الإساءة أضاعتها فرعاية الوزير، أيّده الله تعالى بحفظه، ولا مفزع إلا إلى الله بلطفه، وكنف الوزير وعطفه، فإن رأى-أطال الله بقاءه-أن يلحظ عبده بعين رأفته، وينعم بإحياء مهجته، وتخليصها من العذاب الشديد، والجهد الجهيد، ويجعل له من معروفه نصيبا، ومن البلوى فرجا قريبا».

وكأن السجع أصبح لغة جميع الرسائل منذ أوائل القرن الرابع للهجرة، بل مع أواخر القرن الثالث، فليس هناك كاتب إلا ويسجع، وإن فاته السجع فى مكان من رسالته عاد إليه فى الأمكنة الأخرى. وقد خلف محمد بن جعفر بن ثوابة ابنه أحمد منذ سنة ٣١٢، وظل على ديوان الرسائل من بعده إلى أن توفى سنة ٣٤٩، فخلفه عليه أبو إسحق الصابى. ولا ريب فى أن أحمد مضى فى إثر أبيه يسجع فى رسائله وكل ما يصدر عنه من كتابات ديوانية، وقد بقيت منها بقايا قليلة تصور سجعه وإغراقه فيه من مثل قوله فى وصف فتح (٣):


(١) النجوم الزاهرة ٣/ ٢٦٨.
(٢) النجوم الزاهرة ٣/ ٢٦٨.
(٣) الهمدانى: تكلمة تاريخ الطبرى ص ١٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>