للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تمش، لا تفعل كذا». فكلامهم دخلته رطانة الإيرانيين ودخلته ألفاظهم، أما لا التى ذكر ابن بطوطة أنهم يصلون الأفعال بها دائما حين يطلبون من شخص شيئا فأكبر الظن أنها لام الأمر حرّفت ومدّت قليلا أو لعلها لام التوكيد. وينبغى أن لا نظن من ذلك أن العمانيين كانوا قد هجروا الفصحى فى عهد ابن بطوطة، فهو إنما يتحدث عن لهجتهم ولغتهم اليومية، أما بعد ذلك فكانوا يهتمون بالفصحى اهتمام الأقاليم العربية بها جميعا، يتخذونها لغة للعلم وللشعر، وكثيرا ما نقرأ فى ترجمة من اشتهروا بالشعر هناك أنهم تلقوا العربية والعلوم الشرعية عن أربابهما فى عمان، وقل ذلك نفسه فى نزوى وفى صحار وغيرهما من المدن.

وهذا نفسه نلاحظه على البحرين فمواجهتها لإيران جعلت عناصر إيرانية كثيرة تنزلها، وكان لذلك بعض التأثير فى اللغة العامية التى نشأت هناك، وإن كان لا يصل إلى تأثير الإيرانية فى عامية عمان لأن الإيرانيين كثيرا ما نزلوا هناك وحكموها. وقد ظل البحرانيون يعكفون على العلوم الإسلامية وعلوم العربية وظلوا يروون الشعر وينهلون من موارده مما أعد لظهور شعراء مختلفين على مر الزمن طوال هذا العصر، وكأن سيل الشعر كان لا يمكن ردّه ولا صده فى أى إقليم عربى، فهو دائما زاد للعرب وعدّة وعتاد.

ومعرفتنا بالحركة الشعرية فى نجد قليلة، ومع ذلك نستطيع أن نتعرف على أطراف منها من خلال من كانوا يرحلون عنها إلى الأقطار المجاورة، إذ لم تكن وسائل حفظ الشعر عندهم مهيأة، ونقصد وسائله الأولى من الأقلام والحبر والورق. وهؤلاء المهاجرون يدلّوننا على ما كان من نشاط شعرى وراءهم، وقد نشط الشعر فى عهد بنى مزيد الأسديين الذين شادوا الحلّة على حدود العراق وكذلك فى عهد بنى عقيل العامريين حين هاجروا إلى الموصل على نحو ما مر بنا فى غير هذا الموضع. ونفاجأ بنشاط واسع للشعر فى نجد مع دعوة محمد بن عبد الوهاب منذ أواسط القرن الثانى عشر الهجرى.

[٢ - كثرة الشعراء]

بعثت دول الجزيرة العربية التى تحدثنا عنها فى أقاليمها المختلفة نشاطا واسعا فى الشعر، فقد كان الحكام دائما يعنون بأن تحفّ بهم جمهرة من الشعراء، وخاصة فى اليمن التى قامت فيها دويلات صغيرة تنافست فى جذب الشعراء ونثر الأموال والعطايا عليهم. غير أن أخبار هؤلاء الشعراء فى القرن الرابع الهجرى قليلة، وكان المظنون أن يترجم الثعالبى فى اليتيمة وتتمتها لطائفة

<<  <  ج: ص:  >  >>