العباسية حسنة، فكان أمراؤها يتولونها بعهود من الخلفاء حتى تكون ولايتهم شرعية، وأذن لهم الخلفاء فى أن تذكر أسماؤهم معهم فى خطبة الجمعة وأن يضربوا أسماءهم على الدنانير، وكانوا سنّييّن، ودعم ذلك الصلة بينهم وبين الخلافة.
ولا نصل إلى أواخر العصر، حتى يتغلب كثير من الحكام على ولاياتهم، فتصبح فارس والرّىّ وأصبهان والجبل فى أيدى بنى بويه، وخراسان فى يد نصر بن أحمد السامانى، وطبرستان وجرجان فى يد الديلم، وكرمان فى يد محمد بن إلياس، والموصل وديار ربيعة وبكر ومضر فى أيدى بنى حمدان، والأهواز وواسط والبصرة فى يد البريدى، واليمامة والبحرين فى يد أبى طاهر الجنّابى القرمطى، ومصر والشام فى يد محمد بن طغج الإخشيد، والمغرب وإفريقية فى يد القائم بأمر الله ابن المهدى الفاطمى المتلقب بأمير المؤمنين، والأندلس فى يد عبد الرحمن الناصر الأموى. ولم يبق فى يد الخليفة سوى بغداد، واستولى عليها منه-كما أسلفنا- البويهيون وخلعوه، وولّوا المطيع لله، وأصبحوا هم الذين يولّون الوزراء والقضاة والولاة وأصحاب الشرطة والحسبة، ولم يعد للخليفة سوى سلطان اسمى وأن يدعى له على المنابر، وخفّضت نفقاته، وقرّرت له نفقة طفيفة.
وليست هذه الكوارث كل ما حاق بالخلافة العباسية فى العصر العباسى الثانى، فقد نشبت ثورات كثيرة استنزفت موارد الدولة، وخاصة ثورتى الزنج والقرامطة، أما الزنج فقد استطاع الموفق لعهد أخيه المعتمد أن يقصى بعد جهاد عنيف عليهم وعلى ثورتهم قضاء مبرما، وأما القرامطة فقد ظلوا حتى نهاية العصر ينازلون الدولة وينزلون بها خسائر فادحة فى الرجال والأموال، ولعل من الخير أن نخص كلا من الثورتين بكلمة موجزة.
[٣ - ثورة الزنج]
شغلت هذه الثورة الدولة أربع عشرة سنة ونحو أربعة أشهر لم تضع فيها الحرب أوزارها منذ رمضان سنة ٢٥٥ الهجرة حتى صفر سنة ٢٧٠ وكان الذى