الترك والنساء والجند هم الذين يصرّفون أمور الدولة، وعمّ الفساد وانتشرت الدسائس والمؤامرات، وفسدت أداة الحكم فسادا شديدا، حتى لنجد أبا جعفر بن شيرزاد حاكم بغداد نيابة عن توزون لعهد الخليفة المتقى يؤمّن لصّا فاتكا هو حمدى، ويشترط عليه أن يدفع له شهريّا خمسة عشر ألف دينار، فى حين يكبس هو بيوت الناس بالمشاعل والشموع وينهب منها ما يريد من الأموال والجواهر.
ويستظهر ابن تغرى بردى أن هذا اللص هو الذى سمّى عند العامة فى سالف الأعصار أحمد الدنف، وقصته فى ألف ليلة وليلة مشهورة (١).
وهيّأ ذلك منذ أوائل العصر لا إلى نهب الأموال والجواهر فحسب، بل إلى نهب الأقاليم والولايات، فإذا أسرة طاهر بن الحسين قائد المأمون تقيم لنفسها فى خراسان إمارة تظل بها حتى سنة ٢٥٩ غير أن صلتهم بالدولة ظلت حسنة وظلوا يرسلون لها الضرائب، وكان منهم نفر يتولون شرطة بغداد حتى بعد انتهاء حكمهم لخراسان وما وراء النهر. وفى سنة ٢٤٧ للهجرة استطاع يعقوب بن الليث الصفار أن يقيم الإمارة الصفارية فى إقليم بلوخستان شرقى إيران، ومدّ حدودها حتى شملت كرمان إلى الجنوب من إيران كما شملت أفغانستان والسند، واستولى على ما بيد محمد بن طاهر آخر الحكام الطاهريين فى خراسان. وتوفى يعقوب لسنة ٢٦٥ فخلفه أخوه عمرو حتى سنة ٢٨٧ إذ قضى عليه السامانيون حكام ما وراء النهر. وحدث فى سنة ٢٥٥ أن أهدى المعتز بايكباك حاجبه مصر فولّى عليها أحمد بن طولون فاستقلّ بها ومدّ حكمه إلى الشام، وخلفه على الإقليمين ابنه خمارويه، وزواج ابنته بوران من المعتضد مشهور. وظلت تلك الإمارة الطولونية فى أبناء أحمد بن طولون وأحفاده حتى سنة ٢٩٢ إذ عادت فى عهد المكتفى إلى حظيرة الدولة، فولّى عليها عيسى النوشرى، وتبعه ولاة مختلفون إلى أن وليها محمد ابن طغج الإخشيد ولايته الثانية سنة ٣٢٣ فأسس بها الإمارة الإخشيدية التى ظلت تلى شئون مصر حتى تسلّمها منها المعز الفاطمى سنة ٣٥٨. وإمارة السامانيين فى خراسان وما وراء النهر أطول هذه الإمارات عمرا، فقد بدأت حوالى سنة ٢٦١ وظلت إلى ما بعد هذا العصر حتى سنة ٣٨٩ وكانت العلاقة بينها وبين الخلافة