رأينا التشيع ينمو فى الكوفة منذ اتخذها على حاضرة لخلافته. وقد مضى كثير من أهلها بعد وفاته يؤمنون بأن أبناءه وأحفاده أهل الخلافة الحقيقيون وأصحابها الشرعيون، وأن الأمويين اغتصبوها منهم، وينبغى أن تردّ عليهم.
وتكوّنت فى أثناء ذلك فرقة الكيسانية التى دعت لابن الحنفية، وقد تأثرت بغير قليل من آراء ابن سبأ، فذهبت تزعم أن ابن الحنفية هو المهدى المنتظر، وأنه ورث عن علىّ علم الباطن وأن به قبسا من روح الله، وهو قبس يتنقل فى أئمة الشيعة إماما بعد إمام، حتى إذا توفّى قالوا برجعته، وأنه سيعود فيملأ الأرض علما ونورا. ونمضى إلى أواخر العصر الأموى فتظهر فرقة الزّيدية، ولم تكن غالية غلو فرقة الكيسانية، وقد صورنا ذلك فى حديثنا عن السياسة.
وعلى نحو ما كثر شعراء الخوارج فى هذا العصر كثر شعراء الشيعة يتقدمهم كثيّر شاعر الكيسانية والكميت شاعر الزيدية، ولعل من الطريف أننا نجد عند أولهما عقيدة الكيسانية ماثلة فى أشعاره بكل ما أوغلت فيه من تطرف فى العقيدة الشيعية، كما نجد عند ثانيهما عقيدة الزيدية بكل أصولها المذهبية.
وإذا أخذنا نقرأ فى أشعارهما وأشعار غيرهما من شعراء الشيعة وجدناهم محزونين على أئمتهم الذين سفك الأمويون دماءهم، لا يرعون فيهم إلاّ ولا ذمّة، وقد تحولوا يبكونهم ويندبونهم بدموع لا ترقأ ولا تجفّ. وربما كان هذا الطابع أهمّ ما يميّز الشعر الشيعىّ فى هذا العصر، فهو دموع وبكاء وزفرات على الحسين أولا ثم على زيد بن على وابنه يحيى، زفرات ودموع سخينة من مثل قول سليمان بن قتّة يرثى الحسين (١):
(١) مقاتل الطالبيين لأبى الفرج الأصبهانى (طبعة الحلبى) ص ١٢١ وانظر أيضا فى مراثى الحسين الطبرى ٤/ ٢٠٩ وما بعدها وأغانى (ساسى) ١٤/ ١٥٨ وما بعدها والمبرد ص ١٢٧ والاستيعاب ص ١٤٦.