مرّت بنا ترجمة ابن قلاقس الإسكندرى فى الحديث عن تاريخ الأدب العربى بمصر، وهناك ألممنا برحلته إلى صقلية فى إيجاز، وحرىّ بنا الآن أن نفصّل الحديث فيها بعض الشئ تتمة للكلام عن صقلية، وقد رحل إليها فى سنة ٥٦٣ للهجرة، وهو فى نحو الثلاثين من عمره وظل بها نحو سنتين، وحار الدارسون له فى تبين أسباب تلك الرحلة ودوافعها، غير أن من يتعقب أشعاره وأخباره يعرف أنه كان على صلة وثيقة بالرشيد بن الزبير أحد أعلام الثقافة والأدب والشعر فى عصره حين ولى النظر بثغر الإسكندرية فى الدواوين السلطانية سنة ٥٥٩ للهجرة وكان قد وضع يده فى يد صلاح الدين الأيوبى حين ولاه عمه أسد الدين شيركوه الإسكندرية فى أثناء حربه مع شاور وزير الفاطميين وأعوانه من الصليبيين سنة ٥٦٢ وتطورت الظروف حينئذ وعاد صلاح الدين مع عمه شيركوه إلى الشام وتركا مصر. ولم يكن هم شاور بعد خروجهما من مصر فى تلك المرة إلا طلب من انضموا إلى صلاح الدين من رجال الدولة فى الإسكندرية وفى مقدمتهم الرشيد بن الزبير، وسارع الرشيد فاختبأ فى إحدى الدور بالمدينة فترة، وقبض عليه وقتل فى شهر المحرم سنة ٥٦٣ ونرى ابن قلاقس يرسل إليه فى مخبئه قصائد يستهل إحداها بقوله:
تدانيت دارا والوصول شسوع ... فخلّك ذو الودّ الوصول قطوع
وهو يقول له إن دار مخبئك قريبة، غير أن الوصول بعيد، وكأنه يخشى أن يزور الرشيد فيتنبه رجال شاوور إلى مخبئه، ويقول له: خلك الودود الوصول يرى كأنه لم يثبت على ودك وإخائك، ولعله يريد نفسه، وفى رأينا أن هذه الصلة بين ابن قلاقس والرشيد الذى كان فى مقدمة الثائرين على شاور وانحاز إلى صلاح الدين وما حدث من طلب شاور له، ومقتله هذه الصلة هى التى جعلت ابن قلاقس-فى رأينا-يفكر فى الرحيل عن الإسكندرية خشية أن يلقى نفس المصير على يد رجال شاور، إما لصداقته للرشيد وإما لأنه كان ممن التفّوا حول
(١) انظر فى رحلة ابن قلاقس إلى صقلية كتاب خريدة القصر: قسم شعراء مصر (طبع القاهرة) ١/ ١٤٦ وما بعدها وكتاب الزهر الباسم والعرف الناسم فى مديح الأجلّ أبى القاسم لابن قلاقس تحقيق الدكتور عبد العزيز المانع (نشر جامعة الملك سعود) والنصوص الصقلية من شعر ابن قلاقس الإسكندرى وآثاره النثرية للدكتور محمد زكريا عنانى (طبع دار المعارف) وترسل ابن قلاقس الإسكندرى تحقيق الدكتور عبد العزيز بن ناصر المانع (طبع الرياض) وكتاب العرب فى صقلية للدكتور إحسان عباس ص ٢٨٧ وما بعدها.