هو شمس الدين محمد بن دانيال، ولد سنة ٦٤٦ للهجرة بالموصل وتركها فتىّ إلى القاهرة، ولا نعرف أسباب هجرته من بلدته ولا تاريخ هذه الهجرة، ويقال إنه نزل القاهرة فى سن العشرين، ويلقب بالكحّال، ويقولون: كان له دكان كحل داخل باب الفتوح ويلقبونه بالحكيم وليس معروفا بالضبط هل احترف طب العيون أو كان تاجر كحل وبائعه فقط. وأغلب الظن أنه كان يعالج العيون لقوله:
يا سائلى عن حرفتى فى الورى ... واضيعتى فيهم وإفلاسى
ما حال من درهم إنفاقه ... يأخذه من أعين الناس
والتورية فى الشطر الأخير واضحة، وهى عبارة تدور على ألسنة العامة، يقولون يأخذ حقه من عينه أى رغم أنفه، وهو لا يريد ذلك إنما يريد الإشارة إلى صنعته وحرفته. وكانت تنعقد فى دكانه أغلب الليالى ندوة سمر يجتمع فيها كبار الفكهين لزمنه من أمثال الجزار وابن النقيب والوراق والحمامى، ويروى أنهم جاءوه يوما فقالوا له: نحتاج إلى عصيّات يومئون بذلك إلى أن من يداوى عيونه يجهز على بصره فيصبح ضريرا محتاجا إلى عصا تقوده، فقال لهم على الفور: ليس عندى إلا أن يكون فيكم من يقود لله تعالى. وكان يلازم الأشرف خليل ابن السلطان قلاوون قبل تقلده الحكم فى عهد أبيه، وأعطاه يوما فرسا ومرت أيام فإذا به يراه على حمار أعرج، فقال له:
يا حكيم أما أعطيناك فرسا تركبه؟ فأجابه مسرعا: نعم بعته وزدت على ثمنه واشتريت هذا الحمار، فضحك الأشرف وأعطاه فرسا آخر. ومن تورياته الطريفة قوله:
قد عقلنا والعقل أىّ وثاق ... وصبرنا والصّبّر مرّ المذاق
كلّ من كان فاضلا كان مثلى ... فاضلا عند قسمة الأرزاق
وكلمة «فاضلا» الثانية ليست من الفضيلة كسابقتها. وإنما من الفضل بمعنى الزائد عن
(١) انظر فى ابن دانيال وترجمته وأشعاره فوات الوفيات ٢/ ٣٨٣ والدرر الكامنة لابن حجر ٣/ ٣٨٢ وشذرات الذهب لابن العماد ٦/ ٢٧ والنجوم الزاهرة ٨/ ٢١٥ والبدر الطالع للشوكانى ٢/ ١٧١ وكتابنا الفكاهة فى مصر (طبع دار الهلال) ص ٥٣ وما بعدها.