لعل موضوعا لم يشغل شعراء مصر طوال هذا العصر كما شغلهم الغزل، الذى يصور عاطفة الحب الإنسانية الخالدة، والذى طالما تغنّى به الشعراء مصورين حبهم للمرأة وهيامهم بها، وما شعروا به من سعادة حين أقبلت عليهم ولو بعض الإقبال وما شعروا به من شقاء حين كانت تعرض عنهم ولو بعض الإعراض. أما حين كانت تقبل فكأنها تناولهم شرابا هنيئا بل رحيقا صافيا لا يدانيه رحيق، وأما حين كانت تعرض فكأنها تلقى عليهم شواظا من نار يلذع قلوبهم وأفئدتهم، ويصور الشاعر كيف يتصل ذلك كله بقلبه وبنفسه وبأحاسيسه ومشاعره، يصور ما يجد فى حبه من لذة أو ألم ومن نعيم أو جحيم. ولا يكاد يوجد محب إلا وهو يخشى القطيعة والفراق إلى غير مآب، فإن حدث الفراق فإنه يشكو ويضرع ويستعطف. لقد حرم حتى من الإشارة واللمحة من بعيد، ولكن الأمل فى اللقاء يظل يراوده مهما تجرّع من الآلام واحتمل من ألوان العذاب، ويبدئ ويعيد فى تصوير عذابه وآلامه لعل صاحبته تعطف عليه وتعيد ما كان بينها وبينه من وصال. وحقا قد تلقانا فى تضاعيف ذلك صور من الحب الجسدى الذى تمليه الغرائز، وهو خليق بالازدراء، إنما الذى يملؤنا إعجابا هو الحب العذرى العفيف الطاهر الذى يشغف قلوب أصحابه ويملؤهم بوجد ليس بعده وجد، وجد لا يخجلون منه ولا يستخزون، لأنه لا يتعلق بمأرب مادى، فحسبهم الوصال واللقاء، وهنئ لهم عذابهم بهذا الحب الذى ليس بعده عذاب، إنه حب قوى حار، حب نقى صاف، حب يمتلئ حنانا. وسواء استحال هذا الحب نارا من اليأس أو نورا من الأمل فإن تعقبه عند الشعراء المصريين وعرضه فيه كثير مما يلذّ النفس ويمتعها، وخاصة ما نفذوا إليه من غزل وجدانى صادق فى وصف حبهم وما انطوت عليه قلوبهم من مشاعر الصبابة، مما سنراه واضحا عند ابن النبيه والبهاء زهير.