للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويخيل إلى الإنسان كأنما أوقد الحب جذوة من النار لا تنطفئ أبدا فى قلوب الشعراء، فهم دائما يصلونها ويصلون معها البعد والفراق، وحتى مع القرب يصلون عذاب الحب، دون إشفاق أو عطف أو رحمة، على نحو ما يقول ابن هانئ (١).

فتكات طرفة أم سيوف أبيك ... وكئوس خمر أم مراشف فيك

أجلاد مرهفة وفتك محاجر ... ما أنت راحمة ولا أهلوك

يا بنت ذى السّيف الطويل نجاده ... أكذا يجوز الحكم فى ناديك

عيناك أم مغناك موعدنا وفى ... وادى الكرى ألقاك أم واديك

قد كان يدعونى خياثة طارقا ... حتى خ عانى بالقنا داعيك

منعوك من سنة الكرى وسروا فلو ... عثروا بطيف طارق ظنّوك

وهو لا يدرى كيف يتقى فتكات طرف صاحبته التى تشبه أتم الشبه فتكات سيف أبيها، وإنها جميعا لتصيبه فى الصميم دون أى رأفة، وإنه ليائس يأسا شديدا من رأفة أبيها وأهلها، فلا يأمل فى رؤية لها أو لقاء، ويتعلل بلقائها ورؤيتها فى الكرى والأحلام، ويألم ألما شديدا، فقد منعوا طيفها من الإلمام بعينيه فى الحلم، وإنه ليبيت خائفا منهم حذرا، أن تسفر له عن وجهها الباسم حتى فى النوم، فما أشقاه وما أشد عذابه، إذ لا يجنى من حبه لها سوى الألم والحرمان واللوعة.

ولم يكن تميم بن المعز الفاطمى أقل منه لوعة وأسى حين صور وداعه لصاحبته، وهى لا تقل عنه أسى والتياعا، يقول (٢):

مازال فى الحبّ شوق موجع وأسى ... مبرّح يقطع الأحشاء والكبدا

حتى رمى البين بالتفريق ألفتنا ... وحلّ من وصلها ما كان قد عقدا

فآه من لوعة مشبوبة وجوى ... فى الصدر لم يبق لى صبرا ولا جلدا

قالت وعبرتها مخلوطة بدم ... تجرى وأنفاسها مرفوعة صعدا

لا تطلب النطق منى بالسّلام فما ... أبقى فراقك لى روحا ولا جسدا

وهو يصور أساه فى حبه وكيف يفتت منه الأحشاء والكبد، وإذا البين ينعب بالفراق، فيلتاع لوعة تستعر بين جوانحه، ويتهالك ويفقد الصبر والجلد، بينما هى تذرف الدمع مدرارا مرسلة


(١) ديوان ابن هانئ (طبعته لزاهد على) ص ٥٣١.
(٢) ديوان تميم ص ١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>