هو أبو إسحق إبراهيم بن قيس الهمدانى الحضرمى، ولد بحضر موت ولا يعرف بالضبط تاريخ مولده ولكن يغلب أن يكون ولد فى مستهل القرن الخامس الهجرى أو فى أواخر القرن الرابع. وهو من بيت علم وفضل، كان أبوه-كما يقول مقدم ديوانه-عالما ورعا زاهدا متقشفا. ويبدو أنه كان يعتنق عقيدة الإباضية مثله، ومثل كثيرين من أهل حضرموت، ونشأ ابنه على عقيدته، حتى إذا شبّ أخذ يتحمس لها ويحاول أن ينشرها فى الناس من حوله، وفى نسبه وإباضيته يقول:
فإن تسألى عنىّ وعن أهل مذهبى ... ومن أين دارى أنت يا أمّ حازم
فإنى من همدان أصلى وقدوتى ... فمرداس والأوطان أرض الحضارم
أنا الرجل الدّاعى إلى الحقّ والذى ... أبت نفسه شتم الطّغاة الأشائم
أنا الرجل الشارى الذى باع نفسه ... وأصبح يرجو الموت عند التصادم
وهو فى الأبيات يصرح بأنه حضرمى من همدان، وأنه أخلص نفسه للدعوة الإباضية، ويصف نفسه بأنه من الشّراة، وقد سمى الخوارج أنفسهم بهذا الاسم إشارة إلى قوله تعالى:{وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ} وهو يعلن أنه باع نفسه لربه والدعوة لنحلته، وأصبح يطلب الموت والاستشهاد فى سبيلها حتى يفوز برضوان الله، ويبدو أن الشعر سال على لسانه مبكرا، مما جعله يخلف ديوانا، وهو يصور فيه حياته وأحداثها تصويرا تاما، وهى حياة وأحداث متصلة بأئمة الإباضية فى نزوى إذ نراه على رأس حملة للخليل بن شاذان إمام الإباضية استطاع بها أن يضم حضرموت إلى سلطانه وقد ظل واليا له عليها إلى وفاته ثم لخلفه راشد بن سعيد الذى مدّ جناح سلطانه إلى عمان، ونجده يشيد بإمامه الخليل بن شاذان فى قصائد كثيرة، بمثل قوله:
يا أيها العلم العدل الذى كملت ... له الخصال مروءات وإيمانا
ويطلب فى القصيدة منه معونة ليحطم الغواة الضالين. وكانت لا تزال تأتيه المعونات ولا يزال يحارب أعداء عقيدته فى حضرموت، ويبدو أن كثيرين كانوا ينقضون طاعته بين
(١) انظر فى ترجمة أبى إسحق الحضرمى وأشعاره كتاب صفحات من التاريخ الحضرمى لسعيد عوض با وزير ص ٦٦ وتحفة الأعيان ١/ ٢٥١ وفى مواضع متفرقة. وقد طبع ديوانه مع مقدمة لسليمان البارونى.