للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رعى الله زهرا ينتمى لقرنفل ... حكى عرف من أهوى وإشراق خدّه (١)

ومنبته فى شاهق متمنّع ... كما امتنع المحبوب فى تيه صدّه

أميل إذا الأغصان مالّت بروضة ... أعانق فيها القضب شوقا لقدّه (٢)

وأهفو لخفّاق النسيم إذا سرى ... وأهوى أريج الطّيب من عرف ندّه (٣)

وهو يدعو لزهر القرنفل أن يرعاه الله لأنه يحكى عرف من يهواها وطيبها، ويقول إن منبته فى أعالى جبل الفتح الممتنع على غزاته امتناع المحبوب فى صدّه وتيهه وخيلائه، كما يقول إنه كلما رأى الأغصان فى روضة عانقها شوقا لعناق محبوبه، ويقول أيضا إنه يحنّ إلى خفّاق النسيم مساء يظنه من قبل محبوبه، ويهوى أريج الطيب يظنه من أريجه الذكىّ العطر. وحرى بنا أن نلم إلمامات قصيرة بمن وعدنا بالحديث المجمل عنهم من شعراء الطبيعة والخمر، وهم عبادة بن ماء السماء وعبد الرحمن بن مقانا وعلى بن حصن وابن خفاجة ومحمد بن سفر.

عبادة (٤) بن ماء السماء الأنصارى

هو عبادة بن عبد الله الأنصارى من ذرية سعد بن عبادة الخزرجى أحد النقباء الذين اختارهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى العقبة الثالثة، وقيل له عبادة بن ماء السماء انتماء إلى جد الخزرج الأول، ولسنا نعرف شيئا واضحا عن نشأته إلا ما يذكر مترجموه من أنه تلميذ الزبيدى تلميذ أبى على القالى وأهم اللغويين بعده. ولم تلبث موهبته الشعرية-على ما يبدو-أن تفتحت، ومدح المنصور بن أبى عامر الحاجب (٣٦٦ - ٣٩٢ هـ‍) فأعجب به وأسبغ عليه جوائزه، وسجّل اسمه فى ديوان الشعراء وأعليت مرتبته فيه وأعلى عطاؤه.

وتدور الأيام وتكون فتنة قرطبة التى ظلت نحو عشرين عاما، ويعتلى عرش الخلافة على بن حمود من سلالة الحسن بن على بن أبى طالب سنة ٤٠٧ ويدور العام فيقتل ويخلفه أخوه القاسم حتى سنة ٤١٢ ويخلعه يحيى ابن أخيه على. وعاد القاسم فانسحب يحيى إلى مالقة، ولم تلبث الخلافة أن عادت إلى الأمويين بقرطبة سنة ٤١٤. ولعبادة مدائح فى هؤلاء الحموديين الثلاثة، وفى مديحه لهم غير قليل من مبالغات الشيعة فى مديح


(١) العرف: الشذا وطيب الرائحة.
(٢) القضب: الغصون.
(٣) سرى: سار ليلا. أريج: فائح. الند: عود طيب الرائحة.
(٤) انظر فى ترجمة عبادة وشعره الذخيرة ١/ ٤٦٨ وما بعدها والجذوة ٢٧٤ والمطمح ٨٤ والبغية رقم ١١٢٣ والصلة رقم ٩٦٣ والفوات ١/ ٤٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>