للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الخامس

طوائف من الشعراء

١ -

شعراء الغزل

يعد الغزل من أهم الموضوعات التى شغلت شعراء العرب من الجاهلية إلى العصر الحديث، فمن قديم يتغنون بعاطفة الحب الخالدة، ويصورون مشاعرهم وأحاسيسهم إزاء المرأة وما يكون بينهم وبينها من لقاء ووداع ووصال وهجران، وهم تارة سعداء بوصالها وتارة أشقياء يشكون الهجران والحرمان، ويتمنون ولو نظرة من بعيد، وكأنها الفردوس الذى حرموا منه، وهم يألمون لذلك أشد الألم مع الإكثار من الاستعطاف. والغزل من قديم نوعان: نوع مادى يعنى فيه الشاعر بتصوير المرأة تصويرا حسيا صادرا فيه عن الغريزة النوعية وما تتطلب من المتاع المادى، ونوع عذرى طاهر يتسامى فيه الشاعر إلى بث الوجد الذى يصلى بناره فى دخائله وبلوعاته لوعات لا تنتهى، وهو يتغنى فيه بمحبوبته ظامئا إلى رؤيتها ظمأ متصلا متضرعا، وكأنها ملاك من عالم غير عالمه، ودائما يبكى بدموع غزار. وهذا النوع الثانى من الغزل القائم على الحرمان وعلى السمو فى الحب هو الغالب على غزل شعراء الجزائر، وما من شاعر جزائرى مشهور إلا نجد عنده من هذا الغزل إشعاعات كقول عبد الكريم النهشلى (١):

يشكو هواك إلى الدموع متيّم ... لم يبق فيه للعزاء نسيس

لولا الدموع تحرّقت من شوقه ... يوم الوداع قبابكم والعيس

وهو يقول إنه ودّع صاحبته ولم يعد يستطيع أن يقدم شكواه إلا دموعه، وقد أضناه الحب، ولم يعد فيه إلا نسيس أو بقية من الروح، ولولا الدموع وطوفانها لتحرقت بنار حبه قبابها وخيامها وهوادجها والعيس أو الإبل الظاعنة عليها. والتفت ذات يوم إلى شجرة فرأى عليها حمائم وسمعها تترنم وتنوح، فتأثر وأنشد (٢):


(١) أنموذج الزمان لابن رشيق ص ١٧٦.
(٢) نفس المصدر والصفحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>