ظل تيّار الغزل حادّا فى العصر، وظل الشعراء ومن كان ينطق به من الجوارى ينظمونه. مضيفين فيه كثيرا من الخواطر والمعانى، ويخيّل إلى الإنسان كأن كل من شد؟ ؟ ؟ بالشعر نظم فيه، مصوّرا ألوانا من هذا الحب الذى كان يستأثر بالنفوس ويملك عليها من أمرها كلّ شئ. وكانوا ينظمونه فى نفس الاتجاهين اللذين عرضنا لهما فى العصر العباسى الأول، ونقصد اتجاه الغزل الصريح واتجاه الغزل العفيف، وكان الاتجاه الأول هو الغالب على الشعراء، بسبب كثرة الإماء ودور النخاسين التى كانت تزخر بالجوارى من كل جنس: روميات وفارسيات وغير فارسيات وروميات. ويصور الجاحظ فى رسالته الخاصة بالقيان مدى ما كنّ يشبعن فى جوّ بغداد من التحلل الخلقى، فكان طبيعيّا أن تنفق سوق الغزل المادى، وخاصة أن القيان والجوارى كن يكثرن من التغنىّ به على إيقاعات الطبول والآلات الموسيقية، فسعرن قلوب الشعراء شبانا وكهولا، ولم يعودوا يستطيعون أن يردّوا أنفسهم إلى شئ من القصد، فقد أخذ الحب الصريح يثور فى نفوسهم وأخذوا يعبرون عنه تعبيرا صريحا حرّا، بل حارّا له حرارة الحمّى.
وظل اتجاه الغزل العفيف النقى الطاهر حيّا بجانب هذا الاتجاه، وكانت تمده أسراب كثيرة من غزل العذريين فى العصر الأموى ومن غزل من ساروا فى دروبهم من شعراء العصر العباسى الأول أمثال العباس بن الأحنف، غزل له حمّاه ولكن بثوره لا تظهر على الجسد، غزل قوى حار، لا يعرف المتاع المادى ولا اقتطاف زهرات الحب وثماره، إنما يعرف ناره المحرقة كما يعرف الحرمان والشقاء به، مهما أمّل صاحبه ومهما استعطف ومهما تضرّع، فليس