وأغدر للصديق من الليالى ... وأنكى للقلوب من العتاب
وكان يناقض جحظة البرمكى كثيرا، وكان على غراره كثير الهجاء، وكان قبيح الخلقة تقتحمه العيون، وصوّر ذلك ابن بسام عابثا به وبقبحه، إذ يشكره على إقباله عليه بدابّته وانصرافه عنه بوجهه الذميم. يقول:
لجحظة المحسن عندى يد ... أشكرها منه إلى المحشر
لما أرانى وجه برذونه ... وصاننى عن وجهه المنكر
وعلى هذا النحو لم يسلم من هجاء ابن بسام خليفة ولا وزير ولا أمير ولا صغير ولا كبير، بل لم يسلم منه أبوه وأهل بيته. وله وراء هذا الهجاء مديح لبعض الوزراء مثل ابن مقلة ونعت لبعض الأزهار مثل النرجس. وله فى الزهد وفناء الحياة أبيات طريفة تجرى على هذا النمط:
أقصرت عن طلب البطالة والصّبا ... لما علانى للمشيب قناع
لله أيام الشباب ولهوه ... لو أن أيام الشباب تياع
فدع الصّبا يا قلب واسل عن الهوى ... ما فيك بعد مشيبك استمتاع
وانظر إلى الدنيا بعين مودّع ... فلقد دنا سفر وحان وداع
والحادثات موكّلات بالفتى ... والناس بعد الحادتات سماع
والأبيات تصوّره قد وخطه الشيب وأخذ يفكر فى غده ويستعدّ لمصيره، بعد تلك الرحلة الطويلة التى كان يجاهد فيها مجتمعه بأهاجيه حتى وفاته سنة ٣٠٣ للهجرة. ومن المؤكد أن أهاجيه تصور العصر فى صورة أدق من تلك التى يصورها المديح. وأن الحياة فيه لم تكن صافية ولا رائقة، بل كانت كدرة قائمة، اختلّت فيها الموازين والقيم اختلالا شديدا.