تزور العظام الباليات لدى الثّرى ... تجاوز عن تلك العظام غفورها
فلولا قضاء الله أن تعمر الثّرى ... إلى أن ينادى يوم ينفخ صورها
لقلت عساها أن تعيش وأنها ... ستنشر من جرّا عيون تزورها
ولعل فى كل ما قدمنا ما يصوّر شاعرية محمد بن صالح العلوى الفذّة، ويظلّه عصر المنتصر فيصيبه فيه جدرىّ ويلبى نداء ربه، ويرثيه غير صديق باكيا خصاله الحميدة.
الحمّانى العلوىّ (١)
سمى الحمّانى نسبة إلى حى بالكوفة نشأ وعاش فيه؛ وهو على بن محمد بن جعفر العلوىّ، خرج أبوه محمد الملقب بالديباجة فى المدينة لأوائل عصر المأمون قبل تحوله من خراسان إلى بغداد، غير أن ثورته ضد العباسيين لم تنجح، وحمل إلى بغداد، ونفى منها إلى خراسان، فنزل بساحة المأمون هناك، وسرعان ما وافاه الموت ويقال إنه لما حمل الرجال نعشه دخل المأمون بين عموديه، فاشترك فى حمله حتى نزوله فى لحده، وكان مما قال: هذه رحم مجفوّة منذ مائتى سنة.
وانتقلت أسرة الديباجة بعده إلى الكوفة، وبها نشأ ابنه على، وعنيت الأم والأسرة بتثقيفه، فلم يحسن صنع الشعر فحسب، بل أحسن صنوفا من الآداب وعلوم الشريعة، مما جعل العلويين فى تلك البلدة يختارونه نقيبهم ومدرّسهم ولسانهم، كما يقول المسعودى. ونمى إلى المتوكل أن فى داره سلاحا وأن الشيعة يجتمعون عنده، وقيعة فيه من بعض حساده، فوجّه إليه جندا اقتحموا عليه داره فجأة، فوجدوه يتعبّد ربه فى غرفة مغلقة مرتديا ثوبا بسيطا من الصوف،
(١) انظر فى الحمانى وأشعاره مروج الذهب ٤/ ٢٩، ٦٥ ومقاتل الطالبيين ص ٦٦٢ وكتاب الزهرة نشر نيكل طبع بيروت سنة ١٩٣٢ (انظر الفهرس) وكتاب الديارات ص ٢٣٧ والمختار من شعر بشار للخالديين ص ١٦، ٢٥١ وديوان المعانى ١/ ١٠٩، ٢/ ٦٥٨