للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنذال، ويا للحسرة لقد مزّق وفرّق أهل القيروان فى البلاد شرقا وغربا، وإنهم ليسكبون الدموع متتابعة ومدرارا. ولا ريب فى أن ابن شرف استطاع أن يثأر لقومه وأهله من سكان القيروان من هؤلاء الأعراب الجفاة الغلاظ ثأرا خالدا على مر الزمن بفضل شاعريته الفذة النادرة.

محمد (١) بن عبد السلام

هو أبو الفتح محمد بن محمد بن عبد السلام مولده ومنشؤه ومرباه بتونس فى القرن العاشر الهجرى اختلف فى شبابه إلى حلقات العلماء بجامع الزيتونة، وكان ذكيا فحمل عنهم معارفهم وأخذوا ينوّهون به وخاصة فى الأدب، ولمع اسمه بين أدباء تونس وشعرائها، ولما احتلّ الإسبان مدينة تونس وأخذت تصدر منهم المظالم التى سجّلها التاريخ غضب ابن عبد السلام لمدينته وقومه وصمّم على مغادرة البلاد واتجه إلى الشام واتخذ دمشق مقرا له، وأخذ يقرئ بها للطلاب العلوم المختلفة ونصوصا جيدة من الأدب إلى أن توفى سنة ٩٧٥ هـ‍/١٥٦٧ م ودفن بباب الفراديس، وله قصيدة طويلة أرسل بها من دمشق إلى أهله يتشوق فيها إلى وطنه، ويبكى تونس ودولتها الحفصية، وهو يستهلها ببث أشواقه قائلا:

سلوا البارق النجدىّ عن سحب أجفانى ... وعما بقلبى من لواعج نيران

ولا تسألوا غير الصّبا عن صبابتى ... وشدّة أشواقى إليكم وأشجانى

وكم نحوكم حمّلتها من رسالة ... مدوّنة فى شرح حالى ووجدانى

وناشدتها بالله إلاّ تفضّلت ... بتبليغ أحبابى السلام وجيرانى

تحية مشتاق إلى ذلك الحمى ... وسكّانه والنازحين بأظعان (٢)

وهو يطلب إلى أهل بلدته تونس الحبيبة أن يسألوا البرق المقبل من نجد مثوى الحب عما يذرف من دموع حنينا إليهم وعما يضطرم فى قلبه من نيران الشوق ولواعجه، ويقول لهم:

لا تسألوا غير الصّبا-التى طالما ذكرها النجديون المحبّون-عن أشواقى وصبابتى وأشجانى، وكم حملتها إليكم من رسالة مفعمة بمشاعرى الوجدانية، وقد ناشدتها الله واستحلفتها به أن تتفضّل بتبليغ أحبابى وجيرانى التونسيين سلامى وإنها لتحية مشتاق إلى ذلك الحمى وسكانه وإلى النازحين عنه فى الأظعان والهوادج ويقول.


(١) انظر فى ترجمته وشعره المجمل فى تاريخ الأدب التونسى ص ٢٣٠.
(٢) أظعان جمع ظعينة: الراحلة يرحل عليها، والهودج.

<<  <  ج: ص:  >  >>