للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(ب) الكتاتيب]

إيمانا من الولاة فى ليبيا وغير ليبيا من أن الدين الإسلامى العظيم جعل طلب العلم فريضة على كل مسلم حتى يعلم بدقة فروض دينه وتعاليمه أخذوا يعنون ببناء كتاتيب لتحفظ فيها ناشئة البربر القرآن وتعرف مبادئ الشريعة الإسلامية، وكان المعلمون فيها يبدءون بتعليم القراءة والكتابة وبعض مبادئ العربية، لإحكام النطق السديد بألفاظ الذكر الحكيم. وكانت تلك الكتاتيب تلحق بالمساجد أو تخصّص لها غرفة بداخلها ثم أخذت تشيع فى الحارات والدروب بالمدن وفى الواحات والأحياء بالوديان، وظلت تحلّ فى ليبيا وغير ليبيا محل التعليم الابتدائى فى عصرنا، وكانت الناشئة تزوّد فيها ببعض الأحاديث النبوية وببعض سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء الراشدين، وكانت تزوّد فيها بمبادئ الحساب، وأهم من ذلك تعلّم فروض الإسلام وخاصة الصلاة وكيفية أدائها وما ينبغى لها من الوضوء والطهارة كما تتعلم بعض إرشادات تهدى إلى الخلق المستقيم والسلوك القويم.

[(ج‍) المساجد]

وهذا التعلّم المبكر للقرآن وتعاليم الإسلام الذى أنشئت من أجله الكتاتيب فى كل أنحاء ليبيا كانت الناشئة تنتقل منه إلى حلقات العلماء الذين كانوا يرابطون فى المساجد ملقين على طلابهم مختلف الدروس والمحاضرات فى فنون العلوم المختلفة من لغوية ودينية. وكانت ليبيا تكتظ بهذه المساجد فى مدنها وقراها وواحاتها، ولم يكن يخلو مسجد من عالم كبير يحاضر الطلاب أو يعظ الناس، ومرّ بنا فى حديثنا عن الزهد والتصوف ذكر بعض مساجد اشتهرت فى طرابلس وساحلها، ويذكر التجانى فى رحلته أن بخارجها مساجد كثيرة، أما مساجدها فى أحيائها المختلفة ودروبها فلا تحصى كثرة، ويقول إن بساحلها مساجد كثيرة. ولا نلتقى بالمساجد فى ليبيا بالمدن فحسب، بل نلتقى بها أيضا فى القرى على شاكلة مسجد على بن عبد الحميد العوسجى المقرئ الذى بناه فى قريته «الحرشا» من قرى مدينة الزاوية، وكانت مدن جبل نفوسة وقراه تكتظ أيضا بالمساجد. وكان العلماء ينتصبون فى تلك المساجد لإلقاء دروسهم فى قراءات القرآن الكريم وفى تفسيره وفى الحديث النبوى وفى الفقه والشريعة وفى العربية وقواعدها السديدة، وقد أصبحت طرابلس وبرقة منذ عهد يزيد بن حاتم المهلبى (١٥٤ - ١٧٠ هـ‍) مركزين من مراكز العلم، وبعث فيهما الأغالبة (١٨٤ - ٢٩٦ هـ‍) حركة علمية خصبة، إذ عنوا بعلمائهما وأسبغوا عليهم من الرواتب ما يسد حاجتهم، وكان المجتمع الليبى بجميع طوائفه يجلّ هؤلاء العلماء ويعرف لهم قدرهم وأنهم منارة الدين وحملة أضوائه.

<<  <  ج: ص:  >  >>