بى تتبيّن أحوال الألفاظ المركبة فى دلالتها على المقاصد، ويرتفع اللّبس عن سامعها فيرجع من فهمها بالصلة والعائد».
وهذه القطعة من مفاخرة علم النحو على علم الصرف فضلا عن تصويرها لبراعة القلقشندى البيانية ترينا جانبا من ثقافته بعلمى النحو والصرف، وكانا مندمجين بعضهما ببعض فى كتاب سيبويه، وظلا على ذلك بعده حتى أفرد أبو عثمان المازنى علم الصرف بالتأليف وتبعه فى ذلك ابن جنّى. ومضى المؤلفون فى العلمين تارة يجمعون بينهما، وتارة يفصلون، مما جعل القلقشندى يصور ذلك مرارا على لسان علم النحو قائلا إن علم الصرف باب من أبوابه ينقل عنه ويسند إليه وأنه مطوىّ فى كتبه متصل بنسبه لا حق بحسبه. واستخدم فى آخر ما اقتبسناه من تلك المفاخرة مصطلحى الصلة والعائد المعروفين فى النحو وهما صلة الموصول وما تحمل من الضمير العائد فى عبارتها على الموصول، معبرا بهما عن العطية وما يعود منها بالنفع. وللقلقشندى مفاخرة ثانية بين السيف والفلم، ومن قول القلم فيها مفاخرا للسيف:
«مهلا أيها المساجل، وعلى رسلك أيها المغالب والمناضل، لقد أسأت مقالا، ونمّقت محالا. . وإنى-وإن صغر جرمى-فإنى لكبير الفعال، وإن نحف بدنى فإنى لشديد البأس عند النزال. وإن عرى جسمى فكم كسوت عاريا، وإن جرى دمعى فكم أرويت ظاميا، وإن ضاق ذرعى فإنى بسعة المجال مشهور، وإن قصر باعى فكم أطلقت أسيرا وأنا فى سجن الدواة مأسور». ويمضى القلقشندى بمثل هذه الصياغة الموشاة بالسجع ومحسنات البديع من تصوير وغير تصوير، ودائما نشعر عنده بالطلاقة والسلاسة ونصاعة الكلم.
السيوطى (١)
هو جلال الدين عبد الرحمن بن الكمال أبى بكر بن محمد، من سلالة شيخ صوفى أسيوطى هو همام الدين السيوطى، وكان لأسرته وجاهة ورياسة فى أسيوط، منهم من ولى الحكم فيها،
(١) انظر فى السيوطى وترجمته حسن المحاضرة ١/ ٣٣٥ والضوء اللامع للسخاوى ج ٤ رقم ٢٠٣ والكواكب السائرة للغزى (نشر الجامعة الأمريكية ببيروت) ١/ ٢٢٦ وتاريخ ابن إياس فى مواضع متفرقة وذيل الطبقات الكبرى للشعرانى ص ٤ والبدر الطالع للشوكانى ١/ ٣٢٨ والنور السافر للعيدروسى ص ٥٤ ودائرة المعارف الإسلامية وبروكلمان (الطبعة الألمانية ٢/ ١٤٣). وانظر فى مقاماته مجموعة خطبة بعنوان مقامات السيوطى بدار الكتب المصرية رقم ٣٢ مجاميع وطبعت من مقاماته مجموعة بالآستانة. وانظر فى نشاط السيوطى النحوى تأليفا وآراء كتابنا المدارس النحوية ص ٣٦٢.