أصحاب الشعوبية بما سوّى للعربية فى عيون الأخبار من هذا الأدب العربى الرفيع الذى وسع مختلف الثقافات ومزج بينها بحيث أصبح له طوابع جديدة مميزة.
٤ - سعيد بن حميد (١)
أبوه حميد بن سعيد فارسى الأصل، كان من أهل النباهة فى بغداد ووجها من وجوه المعتزلة وكان يحسن نظم الشعر، ولا نعرف متى ولد له سعيد، ويبدو أنه عنى به عناية شديدة منذ نعومة أظفاره، فألحقه بكتّاب حفظ فيه شيئا من القرآن والفقه والحديث والنحو واللغة والأشعار والحساب، حتى إذا خطا خطوات فى العقد الثانى من عمره دفعه إلى حلقات الدرس فى المساجد، ويروى أنه عنى خاصة بأن يلحقه بحلقة ابن الأعرابى المتوفّى سنة ٢٣١ وأنه سمع منه أرجوزة فى نحو عشرين بيتا وحفظها بمجرد سماعها، مما يدل على ذكائه وقوة ذاكرته. ولم يكتف سعيد بحلقة هذا العالم اللغوى الكبير، فقد مضى يختلف إلى حلقات العلماء من كل صنف، مكبّا عليها ناهلا منها متمثلا لما يقدّم فيها من غذاء أدبى وفكرى، مما جعل المسعودى يقول عنه:«كان سعيد حافظا لما يستحسن من الأخبار ويستجاد من الأشعار متصرفا فى فنون العلم، ممتعا إذا حدّث، مفيدا إذا جولس». ولعل ذلك ما جعل فضلا الشاعرة تعجب به، وتعقد بينها وبينه مودة ظلت فترة طويلة، وظلا يتبادلان فيها الرسائل الشعرية، على نحو ما مرّ بنا فى حديثنا عن فضل. وكان قد ملأه الطموح بالنجاح فى سامراء عاصمة الخلافة فتحول من بغداد إليها. ولا ريب فى أن حلاوة محضره وعذوبة أحاديثه جعلتا كثيرين من أدباء عصره تشرئب أعناقهم إلى صحبته، وكانت فيه دعابة تجعل مجلسه خفيف الروح، مما جعل أبا على البصير وأبا العيناء نديمى المتوكل يألفانه ويختلفان إلى مجالسه، وتدور بينهما وبينه مداعبات ومعاتبات ومكاتبات، كما قال الرواة. ويبدو
(١) انظر فى ترجمة سعيد ورسائله الفهرست ص ١٨٥ والأغانى (طبعة الساسى) ١٧/ ٢ ومروج الذهب ٤/ ٦١ وابن خلكان وكتاب رسائل سعيد بن حميد وأشعاره ليونس أحمد السامرائى (طبع بغداد) وجمهرة رسائل العرب لأحمد زكى صفوت.