للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعمى التّطيلى القيسى (١)

هو أبو جعفر-وقيل أبو العباس-أحمد بن عبد الله بن أبى هريرة التطيلى القيسى، فهو عربى الأرومة، أما نسبته إلى تطيلة-وكانت تقع إلى الشمال الغربى من سرقسطة-فلأنها كانت موطن آبائه. ويبدو أن أباه-وربما جده-هاجر منها مبكرا إلى إشبيلية، فولد الشاعر فيها، ومن المؤكد أنه نشأ بها كما يقول ابن سعيد فى كتابه «رايات المبرزين» ففيها كان مرباه وتعلمه، ويعلن مرارا أنه ضيّق باستيطانها، يقول عنها:

فتالله ما استوطنتها قانعا بها ... ولكننى سيف حواه قراب

فهو منها كسيف حواه قراب أو غمد، لا بد أن يسكن لها راضيا أو راغما. وربما بعثه على إعلان ذلك برم وقلق كانت تنطوى عليهما نفسه، بسبب فقده لبصره، إذ كان ضريرا، وبكّر إليه-فيما يبدو-شئ من الصلع أو بعض الشعرات البيض فى رأسه، مما جعله يصرخ:

أما اشتفت منّى الأيام فى وطنى ... حتى تضايق فيما عنّ من وطر (٢)

ولا قضت من سواد العين حاجتها ... حتى تكرّ على ما كان فى الشّعر (٣)

وكان يلتقى فى إشبيلية دائما بطائفة من الشعراء والوشّاحين المجيدين فى مقدمتهم الشاعر والوشاح الفذ يحيى بن بقى وكان يقدّمه على نفسه معترفا له بالتفوق والسبق فى التوشيح كما مرّ بنا فى حديثنا عن الموشحات، وتكفل له شاعر إشبيلى هو أبو القاسم بن أبى طالب الحضرمى المنيشى بمرافقته فى روحاته وغدواته. وليس فى ديوانه مدائح لأمراء الطوائف ولا ليوسف بن تاشفين مما يدل على أنه لم يلحق عصر يوسف المتوفى سنة ٥٠٠ بينما نجد فيه مدائح لابنه على أمير المرابطين (٥٠٠ - ٥٣٧ هـ‍.) مما يدل على أن شاعريته إنما تفتحت فى القرن السادس، وقد يؤكد ذلك أنه توفى سنة ٥٢٥ بينما يقول ابن بسام إنه لم يطل زمانه ولا امتد أوانه، وأنه اعتبط (مات) شابا (أو قريبا من


(١) انظر فى ترجمة الأعمى التطيلى وأشعاره الذخيرة ٢/ ٧٢٨ وما بعدها والقلائد ص ٢٧٣ والخريدة ٣/ ٥١١ وبغية الملتمس رقم ٤٢٩ والمغرب ٢/ ٤٥١ ونكت الهميان للصفدى ص ٤١٠ ونشر ديوانه وقدم له د. إحسان عباس فى دار الثقافة ببيروت وألحق به موشحاته.
(٢) وطر: مأرب.
(٣) تكرّ: تعاود من حين إلى حين، ومنه: كرّ الليل والنهار.

<<  <  ج: ص:  >  >>