للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبا العباس المرسى وجمعا من مريديه ونزلها سنة ٦٤٢ هـ‍، ويقال إنه ترك فى تونس خمسين تلميذا متصوفا من أتباعه مثل على القرجانى وعائشة المنوبية (١) وطريقته أقرب إلى الطرق الصوفية السنية منها إلى الطرق الصوفية الفلسفية، وشاعت طريقته لا فى الاسكندرية وحدها، بل أيضا فى القاهرة والمدن المصرية المختلفة، بفضل تلميذه السكندرى ابن عطاء الله، وقد تولى مشيخة الطريقة بعد وفاة أبى العباس المرسى سنة ٦٨٥ هـ‍ وله فيه وفى الشاذلى كتابه الرائع لطائف المنن فى مناقب أبى العباس المرسى وشيخه أبى الحسن» وقد ساق فيه أربعة أوراد للشاذلى، وأخذت تتولد من هذه الطريقة بمصر طرق جديدة مثل الطريقة الوفائية، وكلها تنزع منزعا سنيا. وظلت الطريقة الشاذلية تشيع فى عصر الدولة الحفصية، وأخذت تشيع معها طرق صوفية مختلفة. ولا بد أن نشير إلى اهتمام هذه الدولة ببناء الزوايا فى تونس لكبار المتصوفة، حتى اكتظت بها المدينة كما لا بد أن نشير إلى ما ذكرناه فى الفصل الأول من أن المتصوفة فى العهد الحفصى انحرفوا عن واجبهم من الجهاد ضد أعداء الله وعاشوا عالة على الدولة والأمة مرددين للعامة كلمات القطب والأبدال والكرامات. ونتوقف قليلا لنتحدث عن صوفيين سنيين مبكرين هما محرز بن خلف وأبو الفضل بن النحوى.

محرز (٢) بن خلف

هو محرز بن خلف بن رزين من ذرية أبى بكر الصديق رضى الله عنه، نشأته ومرباه بتونس، ولا بد أن كان والده من فضلائها، وقد عكف على حلقات الشيوخ بها ينهل من معينهم فى الفقه والتفسير والحديث النبوى، وأيضا فى علوم العربية. ولم يحاول بعد أن فرغ من تعلمه وأخذ ما عند الشيوخ أن يجلس إلى حلقة يعلم فيها الطلاب الناضجين من الشباب، بل رأى أن يعنى بتعليم الناشئة العربية وأصول الدين الحنيف وتعاليمه، وكان يسلك فى ذلك طرقا تعليمية حميدة مما جعل الناس يطلقون عليه اسم المربى محرز. وكانت مدرسته فى مدينة تونس معروفه باسمه، دفن فيها، وكان تقيا صالحا يتوفر على عبادة ربه والنسك له، مما لفت إليه أنظار مواطنيه، وجعلهم يحسنون الاعتقاد فيه، حتى أطلقوا عليه اسم الولى الصالح، وظل هذا الاعتقاد يلازم التونسيين بعد وفاته عن سبعين عاما ونيف سنة ٤١٣ حتى لقبوه بسلطان المدينة، لقب خصوه به دون غيره من الصوفية أصحاب الزوايا الكثيرين فى البلدة. ونسوق بعضا من كلام صاحب الحلل السندسية فى ترجمته له إذ يقول عنه: «الشيخ الأستاذ الذى شحن بنفحات عوارفه الألباب، وتغذّى من الإخلاص بخالص اللباب، وفتح له بحضرة اللطائف أعرض باب. .

ألا وهو الحجاب الإحاطى بقصور العرفان والكوكب الذى قصر عن مشاهدته العيان، والكهف


(١) من قرية منوبة بالقرب من تونس.
(٢) انظر فى محرز الحلل السندسية ٤/ ٨٧٤. والمجمل فى تاريخ الأدب التونسى ص ١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>