بعده أخوه القاسم، ونازعه ابن أخيه المعتلى-كما مر بنا-ولم يلبث أن لحق بمالقة، وبها قتل سنة ٤٢٧. ولم يأخذ هؤلاء الحموديون الفرصة كى ينشروا فى الأندلس دعوة شيعية، وهم أنفسهم لم ينظّموا هذه الدعوة هناك. وتنشأ صلة فى عهد أمراء الطوائف بين أمير دانية على بن مجاهد والفاطميين غير أنها لا تتعدى تبادل بعض الرسائل. ويربط بعض الباحثين بين ما حظى به اليهود-لعهد الطوائف-من مكانة فى غرناطة وبين ما كان فى أمرائها بنى زيرى من نزعة شيعية، وكأنما للتشيع صلة باليهودية، وهو ربط بعيد، والصحيح أن اليهود حظوا بهذه المكانة عند بنى زيرى لقدرتهم الاقتصادية مما جعل بنى زيرى يولون أحدهم-وهو ابن النغريلة-الوزارة
ونستطيع أن نزعم أن الأندلس كانت محصنة ضد التشيع ودعاته، حتى ليقول المقدسى فى أواخر القرن الرابع الهجرى إن الأندلسيين إذا عثروا على متشيع ربما قتلوه. وحتى بعد انتهاء الدولة الأموية نجد كبار المؤرخين فى الأندلس مثل ابن حيان وكبار المفكرين هناك مثل ابن حزم يتعصبون للأمويين ضد الشيعة تعصبا شديدا. وكل ما يمكن أن يكون للتشيع فى الأندلس إنما هو بعض الأصداء فى مدائح الشعراء للحموديين فى قرطبة ومالقة لمدة ربع قرن، وهى أصداء ضعيفة جدا إذا قلما صدر الشعراء فى شعرهم عن تشيع حقيقى لآل البيت. وسنرى فى حديثنا عن الرثاء أن الأندلسيين أخذوا منذ عصر المرابطين يستوحون مأساة الحسين فى نظم بعض مراث له، بل لقد أقاموا له أحيانا مآتم يندبونه فيها، وكأنما كانوا يندبون مأساتهم ومأساة رجالهم فى الأندلس. ونخلص من كل ما قدمنا إلى أنه لم تظهر فى الأندلس موجة حادّة للتشيع، وكل ما حدث أن أفرادا قد يتشيعون، وهو تشيع لا يعدو-غالبا-حب آل البيت.
(ب) الزهد (١) والتصوف
أخذت تنمو فى الأندلس نزعة مبكرة إلى الزهد فى متاع الحياة الدنيا والإقبال على العبادة، وكان مما يزكيها فى نفوس الأندلسيين الوعاظ فى المساجد الذين كانوا يعظونهم
(١) انظر فى الزهد والتصوف بالأندلس وأعلامهما المذكورين هنا الصلة لابن بشكوال والتكملة لابن الأبار والمغرب لابن سعيد والفصل فى الملل والنحل لابن حزم والذيل والتكملة للمراكشى والمقتبس لابن حيان والإحاطة فى أخبار غرناطة والنفح وأزهار الرياض (انظر الفهارس) والمرقبة العليا للنباهى والطبقات الكبرى للشعرانى وتاريخ الفكر الأندلسى لبالنثيا