للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا ينفك عن الفقه والحديث ومذهب أهل السنة غير متخذ منهجا عمليا من التصوف، على نحو ما يلقانا عند الفقيه الحافظ السمنطارى، فقد صنف فى الرقائق وأخبار الصالحين كتابا كبيرا، كان فى عشرة مجلدات، سماه: «دليل القاصدين» كما ذكر ذلك ياقوت عند ذكره بلدته «سمنطار». وبذلك لم يكن-فى رأينا-للتصوف حياة فى صقلية الإسلامية إلا هذه الحياة السنية الملتزمة بالقرآن الكريم والسنة النبوية والتى تدفع الفقهاء إلى التأليف النظرى فى التصوف بمعناه العام أكثر مما تدفع إلى التطبيق العملى.

٢ - المجتمع (١) الصقلى فى العهد النورمانى

من قديم كان يقال إذا كانت روما فتحت أثينا حربيا فإن أثينا فتحتها حضاريا بأدبها وفلسفتها وروعة فنونها، وهو ما نستطيع أن نقوله عن النورمان وصقلية الإسلامية فإن النورمان فتحوا صقلية الإسلامية حربيا، وفتحتهم صقلية الإسلامية حضاريّا، إذ كانوا شعبا متبربرا ليس له حضارة ولا عهد له بأى حضارة، فلما نزلوا صقلية بهرتهم الحضارة الإسلامية فيها، واجتمعت أسباب كثيرة لكى يحنوا رءوسهم أمام من بها من المسلمين، فقد كانوا قلة ضئيلة بالنسبة إلى سكانها، وكانوا لا يعرفون شيئا من نظمها الإدارية ومن تراتيب أهلها فى الزراعة والصناعة وأسباب العمران، فاضطروا إلى استبقائهم لينتفعوا بهم فى شئون الصناعة والزراعة وتشييد القصور والمبانى الباذخة. ومع ذلك فإن الملك روجّار الأول الفاتح لم يحسن معاملتهم بتأثير الكنيسة كما أسلفنا فإذا هو يحيل كثيرين منهم فى المدن والقلاع والحصون المفتوحة عنوة إلى عبيد مسترقّين، وإذا هو يطبّق عليهم نظام الإقطاع مسرفا فى تطبيقه، وإذا هو لا يترك لأحد منهم لا أرضا متسعة فحسب، بل أيضا لا حمّاما-كما يقول ابن الأثير كما مرّ-ولا دكّانا ولا طاحونا ولا فرنا، وأسكن معهم فى الحقول الروم والفرنج-كما يقول ابن الأثير-حتى يتعلموا منهم طرق الفلاحة والقيام على الزروع والغروس كما حدث فى قطانية وغيرها من المدن ومن الحصون والقلاع التى بلغت ثلاثمائة وعشرين عدّا. ويبدو أنه أخذ يثوب إلى رشده، فخفف من هذه المعاملة الصارمة للمسلمين وخاصة فى بلرم وفيمن اتخذه منهم جندا فى


(١) راجع ابن الأثير فى الجزءين العاشر والحادى عشر، وتاريخ ابن خلدون وأمارى فى المكتبة الصقلية وتاريخ مسلمى صقلية وفريمان فى كتابه السالف: تاريخ صقلية ورحلة ابن جبير ونزهة المشتاق للإدريسى والعرب فى صقلية للدكتور إحسان عباس والمسلمون فى جزيرة صقلية وجنوب إيطاليا للأستاذ أحمد توفيق المدنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>