للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى إذا استمكن من عثرة ... أوقد نيران القلى مسرعا

فلم ألم يحيى على فعله ... ولم أقل ملّ ولا ضيّعا

وهو عتاب يدل على حس مرهف دقيق. وسرعان ما عاد بينهما الصفاء ومضيا يعبّان من دنان اللهو والمجون حتى كفّ يحيى بأخرة فيما يقال. ولم يلبث أن توفى فبكاه مطيع بكاء حارا، ومن قوله يرثيه ويتفجع عليه:

يا أهلى ابكوا لقلبى القرح ... وللدّموع السواكب السّفح (١)

راحوا بيحيى ولو تطاوعنى ال‍ ... ‍أقدار لم يبتكر ولم يرح (٢)

يا خير من يحسن البكاء له ال‍ ... يوم ومن كان أمس للمدح

قد ظفر الحزن بالسرور وقد ... أديل مكروهنا من الفرح (٣)

وواضح أن مطيعا كان يتقن جميع الفنون الشعرية وأنه يمتاز فى أشعاره بالسلاسة والعذوبة. ولعل ذلك ما جعله يميل فى كثير من نظمه إلى وزن المجتث والأوزان المجزوءة. وكأنما كان يريد أن يوفر لأشعاره كل ما يمكن من خفة ورقة ورشاقة، حتى تجرى على أفواه الناس، وحتى تلذّ آذانهم، ويقول صاحب الأغانى إن حكما الوادى المغنى تغنّى فى قطعة له، فلم يبق سقّاء ولا طحّان ولا مكار إلا غنّى فيها. وقد ظل مطيع سادرا فى غيه ومجونه حتى توفى سنة ١٦٩ وقيل بل فى سنة ١٧٠ للهجرة لأول خلافة الرشيد.

صالح (٤) بن عبد القدوس

بصرى من موالى الأزد، وأكبر الظن أنه فارسى الأصل، وكان فى صدر


(١) السواكب السفح: المنهمرة.
(٢) يبتكر: من البكور. ويرح: من الرواح وهو وقت العشى.
(٣) أديل: أصبحت له دولة وصولة.
(٤) انظر فى صالح وأخباره وأشعاره أمالى المرتضى (طبعة الحلبى) ١/ ١٤٤ وما بعدها وطبقات الشعراء لابن المعتز ص ٩٠ ورسالة المفران (طبعة أمين هندية) ص ١٤٢ وتاريخ بغداد ٩/ ٣٠٣ ومعجم الأدباء لياقوت ١٢/ ٦ وتاريخ دمشق لا بن عساكر ٦/ ٣٧١ وفوات الوفيات ١/ ١٩١ ونكت الهميان للصفدى ص ٧١، ١٧١ ولسان الميزان لا بن حجر ٣/ ١٧٢ وفهارس كتابى البيان والتبيين والحيوان للجاحظ، وسرح العيون لا بن نباتة (طبعة دار الفكر العربى) ص ٢٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>