للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ردّى حشاشة عاشق مهجور ... بين الملوم عليك والمعذور

ذكر الفراق فمات إلا شوقه ... وأولو الهوى موتى بغير قبور

ودّعت من أهوى بل استودعتها ... قلبى وسرّ مدامعى وزفيرى

فبكت بنرجستين خفت عليهما ... نفسى فلم ألثم بغير ضميرى

وهو يسأل صاحبته أن ترد عليه مهجته، بعد أن هجرته وفارقته، ويحس كأنه مات، وما أهل الهوى إلا موتى بغير قبور، ويقول إنه ودّعها بل لقد استودعها قلبه ودموعه وزفيره وحنّت عليه فبكت، وهمّ أن يقبلها وتراجع خوفا عليها من نفسه الحار فاكتفى بأن يقبلها سرا فى ضميره، وكان يميل إلى الجناس والتلاعب به حتى فى الحب وفى القوافى كقوله:

إن كتمت الهوى فقد ... صار سرّى علانيه

لسقام أذابنى ... وشحوب علانيه

فلم تعد هناك فائدة من كتمانه، فقد أصبح سره فيه ذائعا ومعروفا لسقامه وشحوبه الذى علاه، وكان يعرف كيف ينفذ إلى مثل هذا الجناس فى قافية البيتين بخفة، مما يدل على قدرة شاعرية بديعة، مع ما يمتاز به شعره من طرافة الأخيلة وحلاوة الموسيقى.

أحمد (١) الليانىّ

هو أحمد بن إبراهيم القيسى المشهور باسم الليانى نسبة إلى قرية تسمى لليانّة بالقرب من المهدية، وقد نهل من حلقات شيوخها وأعلام أدبائها. وتفتحت موهبته الشعرية مبكرة فغادر المهدية إلى تونس، واختلط برجالات الدولة، وطمحت نفسه إلى الثراء، فعمل فى التجارة وكون بينه وبين تجار جنوة ومرسيلية علاقات تجارية أثرى منها ثراء طائلا، وأوغر حساده صدر المستنصر عليه، فكان ذلك سببا فى مصادرته وإهدار دمه سنة ٦٥٩ هـ‍/١٢٦١ م وله أشعار غزلية بديعة، منها قوله:

هذا العذيب وهذه نجد ... أين الذى يقضى به الوجد

ما هكذا حال المحبّ إذا ... أعلام ربع حبيبه تبدو

سرّح دموع العين مبتدرا ... وبذكر ماضى عهدهم فاشد

والثم على شغف مواطئهم ... إن عاق عن مقصودك البعد


(١) انظر فى ترجمة اللّليانى الحلل السندسية ٥٠١٢ ومجمل تاريخ الأدب التونسى ص ١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>