للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يعزى ابن الغنى بالله بأن الله قدّر الموت على الخلق جميعا، فالكل لا بد أن يردوا حياضه، يتبع الآخر الأول منذ آدم إلى اليوم، وقد مات رسول الله خير البريّة، وفى ذلك أكبر عزاء لك عزاء لا يماثله عزاء. وآن أن نخص محمد بن سوار، وبالمثل ابن وهبون، بكلمة موجزة.

محمد (١) بن سوار

هو أبو بكر محمد بن سوار الأشبونى، ولد ونشأ فى أشبونة بغربى الأندلس، ولا نعرف شيئا واضحا عن نشأته وتعلمه غير أن ابن بسام يقول إنه نظم عدة قصائد فى أمراء الطوائف قالها فيهم «تحبّبا لا تكسبا، وعمر مجالسهم بها وفاء لا استجداء» مما يدل على أنه نشأ فى يسار ونعمة أغنته فى شبابه عن التكسب بأشعاره. ويستمر ابن بسام قائلا إنه بعد أن خلع ابن تاشفين أمراء الطوائف لسنتى ٤٨٣، ٤٨٤ حالت بابن سوار الحال وتوزعه الإدبار والإقبال، إلى أن وقع فى أسر النصارى وسجن بقورية على أحد فروع نهر تاجه غربى طليطلة، وظل يستغيث بمن يفتديه وينقذه من هذا الأسر وعذابه ولا مغيث إلى أن سمع باستغاثته على بن القاسم بن عشرة قاضى سلا فى المغرب على المحيط، فأغاثه وافتداه، وردّت إليه حريته بعد عام طويل من الأسر والعذاب، وعبر إليه الزقاق، فأظله برعايته وأسبغ عليه من نواله الغمر على نحو ما مر بنا فى غير هذا الموضع، وظل الشاعر يدبج فيه المدائح، وكان القاضى من المقربين ليوسف بن تاشفين، ونظن ظنا أنه وصل ابن سوار به، إذ نراه حين توفى ابن تاشفين فى المحرم سنة ٥٠٠ للهجرة ينشد مرثية على قبره، قائلا:

اسمع أمير المسلمين وناصر ال‍ ... دّين الذى بنفوسنا نفديه

جوزيت خيرا عن رعيّتك التى ... لم ترض فيها غير ما يرضيه

فى كلّ عام غزوة مبرورة ... تردى عديد الرّوم أو تفنيه (٢)

تصل الجهاد إلى الجهاد موفّقا ... حكم القضاء بكل ما تقضيه

متواضعا لله مظهر دينه ... فى كل ما تخفيه أو تبديه


(١) انظر فى محمد بن سوار وترجمته وشعره الذخيرة ٢/ ٨١١ والمغرب ١/ ٤١١ والمحمدون من الشعراء للقفطى ٣٥٩ والوافى ٣/ ١٤٣ وراجع أسرة بنى عشرة للدكتور محمد بن شريفة: فصلة من مجلة تطوان، العدد العاشر سنة ١٩٦٥.
(٢) تردى: تهلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>