رياضى عظيم بها يسمى أبا الحسن على بن أحمد الملقب بابن الفحام من صنع منكانة أو ساعة كانت دقاقة، وقد وضعها فى خزانه كبرى ذات تماثيل فضية محكمة الصنع، وبأعلاها أيكة- أو شجرة ملتفة-تحمل طائرا فرخاه تحت جناحيه ويخاتله فيهما ثعبان نافذ من كوّة بجذر الأيكة يحاول الصعود ينتظر غفلته، وبصدر الخزانة أبواب موصدة بعدد ساعات الليل الزمانية- إذ كانت توضع فى الاحتفال الكبير بليلة المولد النبوى زمن أبى حمو موسى الثانى (٧٦٠ هـ/ ١٣٥٩ م-٧٩١ هـ/١٣٨٩ م) -ويصاقب (يجاور) طرفى هذه الأبواب بابان مغلقان أطول من الأبواب الأولى وأعرض، وفوقها جميعا دون رأس الخزانة قمر مكتمل يسير على خط استواء سير نظيره فى الفلك ويسامت (يوازى) أول كل ساعة بابها المرتج (المغلق) فينقضّ من البايين الكبيرين عقابان بظفرى كل واحد منهما صنجة من الصّفر يلقيها إلى طست مجوف من النحاس بوسطه ثقب يفضى بها إلى داخل الخزانة فيرنّ وينقضّ الثعبان على أحد الفرخين فيصفر له أبوه، وهنالك يفتح باب الساعة الراهنة (الحالية) وتبرز منه دمية على هيئة جارية بخصرها حزام كأظرف ما أنت راء، بيمناها صحيفة فيها رقم ساعتها (العاشرة مثلا) منظوما، ويسراها موضوعة على فمها، وكأنها تعلن عن الساعة على استحياء. ومن يزور مدينة بيرن عاصمة سويسرا سيأخذه مرافقه السويسرى قبيل الساعة الثانية عشرة إلى مشهد ساعة كبيرة مثبتة على يرج شاهق وفى الجزء العلوى منها مهرج يدق جرسين قبيل دق الساعة لجرسها معلنة الثانية عشرة، وفى الحال يصيح ديك على اليسار ويحرك أحد جناحيه، ويواجهه تمثال أسد ما يزال يحرك رأسه وتمثال عمدة يحرك عصاه وتدور مجموعة من الدببة، وفى الساعة الثانية عشرة تماما تدق الساعة ويصيح الديك ويحرك أحد جناحيه كأنه يهم بالطيران. وهذه الساعة السويسرية التى يفتخر السويسريون باختراع أحد مواطنيهم لها سنة ١٥٣٠ للميلاد ليست أروع ولا أبدع من ساعة ابن الفحام التى اختزعها قبلها بقرن ونصف مما يدل على ذكائه الوقاد من جهة وعلى ما أصابه الجزائريون فى تلمسان من رفه من جهة ثانية.
[(ج) الموسيقى]
ليس بين أيدينا أخبار عن تعلق أهل الجزائر بالموسيقى والغناء فى الحقب الأولى من هذا العصر، وإذا رجعنا إلى كتاب وصف إفريقيا للحسن الوزان وجدناه يصف أهل بجاية بأنهم «ميالون إلى المرح وإلى الموسيقى والرقص ولا سيما الأمراء». ويقول عن سكان ميناء دلس الواقعة غربى مدينة بجاية إنهم «لطفاء ويحيون حياة مرحة ويجيدون كلهم تقريبا الضرب على العود وعلى القانون». ولم يصور لنا الوزان حياة المرح ومختلف وسائله عند أهل بجاية كما لم يصور رقصهم وأوقاته، ومع أنه ذكر آلتى العود والقانون الموسيقيتين اللتين كان يضرب عليهما جميع أهل دلس لم يذكر هل كانوا يصحبون هذا الضرب بتلاحين لأشعار ينشدونها أو يغنونها دائما أو فى بعض الأحوال.