للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقصر مشيد يزدرى بجانبه إيوان كسرى، والخورنق والسدير: قصران كانا لملوك الحيرة فى الجاهلية.

٤ -

شعراء الزهد والتصوف

[(أ) شعراء الزهد]

الزهد قديم فى الأمة منذ العصر الإسلامى وزاهد الأمة الأول محمد صلّى الله عليه وسلم وكان كثيرون فى أيامه يأتسون بزهده وتقشفه، ويفرد الجاحظ للزهاد صحفا كثيرة فى البيان والتبين حتى عصره، ويتوالى من بعده فى الكتابة عنهم، ويلقانا منهم فى المغرب كثيرون فى كتاب رياض النفوس للمالكى، يقبلون على ما عند الله من ثواب الآخرة ويرفضون الدنيا، ودائما يذكرون الموت وأنه مقبل لا محالة وأن من واجب الإنسان أن يتدبر أمره وغده وأنه عما قريب محمول على آلة حدباء وسيلقى ربه، وحرى بالإنسان أن يعمل لآخرته قبل أن يفجأه الموت ويأتيه على حين غرّة أو غفلة، وفى ذلك يقول بكر بن حماد متحدثا عن الموت (١):

لقد جمحت نفسى فصدّت وأعرضت ... وقد مرقت نفسى فطال مروقها (٢)

فيا أسفى من جنح ليل يقودها ... وضوء نهار لا يزال يسوقها (٣)

إلى مشهد لا بدّ لى من شهوده ... ومن جرع للموت سوف أذوقها

سحاب المنايا كلّ يوم مظلّة ... فقد هطلت حولى ولاح بروقها

تجهّمت خمسا بعد سبعين حجّة ... ودام غروب الشمس لى وطلوعها

وأيدى المنايا كلّ يوم وليلة ... إذا فتقت لا يستطاع رتوقها

تصبّح أقواما على حين غفلة ... ويأتيك فى حين البيات طروقها

وهو يقول إن نفسه جمحت منه وركبت هواها وعصته عصيانا شديدا، إذ لا تسمع إلى نصحه وإرشاده، وكأنما زمامها بليل مظلم مما يؤسفه وإنها لا تتطلع إلى ضوء نهار مشرق يريها المشهد الحقيقى من الموت وجرعه وما سيحسو منه، وإن سحاب الموت ليظلّه، وإنه ليهطل من حوله وتلمع بروقه، وقد احتمل خمسا وسبعين سنة، وطالما أشرقت عليه الشمس وغربت وأيدى الموت من حوله إذا فتقت فتقا لا يستطيع أحد رتقه، وتصبّح أقواما فجأة بمن تختطفه منهم وبالمثل تمسّيهم، وما أحرانا أن نعمل لآخرتنا قبل فوات الأوان. ويحدثنا صاحب


(١) الديوان ص ٧٨.
(٢) جمحت: نفرت. مرقت: خرجت وعصت.
(٣) جنح الليل: ظلامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>