للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنوان الدراية عن الشيخ الفقيه النحوى اللغوى محمد بن الحسن بن ميمون القلعى البجائى، وكان كثير التلامذة والطلاب وتقرأ عليه جميع الكتب النحوية واللغوية والأدبية، وكان يسلك فى شعره طريقة أبى تمام، وتوفى سنة ٦٧٣ هـ‍/١٢٧٤ م وله منظومات فى الزهد والمديح النبوى، ومن قوله فى الزهد (٤):

الخبر أصدق فى المرأى من الخبر ... فمهّد العذر ليس العين كالأثر

واعمل لأخرى ولا تبخل بمكرمة ... فكلّ شئ على حدّ إلى قدر

وكل حىّ وإن طالت سلامته ... يغتاله الموت بين الورد والصّدر

هو الحمام فلا تبعد زيارته ... ولا تقل ليتنى منه على حذر

يا ويح من غرّه دهر فسرّ به ... لم يخلص الصّفو إلا شيب بالكدر

تنافس الناس فى الدنيا وقد علموا ... أن المقام بها كاللّمح بالبصر

انظر لمن باد تنظر آية عجبا ... وعبرة لأولى الألباب والعبر

وهو يقول إن التجربة أصدق من الخبر إذ ما يرى بالعين ليس كالأثر، واعمل لآخرتك ولا تبخل بصالحة، فكل شئ مقدر، وكل حى وإن طالت سلامته سيغتاله الموت فجأة بين ورده لشئ وصدره عنه، إنه الموت فلا تظن أن زيارته ستبطئ عنك، ولا تظن أنك تستطيع أن تكون على حذر منه، ويا ويح من غرّه زمن سرّه، فإن الصفو دائما يشاب بالكدر، ويا ويح الناس فإنهم يتنافسون فى الدنيا وأمانيها ومظاهرها وهم يعلمون أنهم راحلون عنها سريعا سرعة اللمح بالبصر، وانظر لمن باد من السالفين فإن فى ذلك عبرة لأولى الألباب. ويذكر ابن ميمون البجائى الملوك الهالكين: دارا الفارسى وذا يزن اليمنى وهرقل البيزنطى وغيرهم فكلهم أفناهم الدهر ولم تبق منهم إلا الأسماء والسير.

وتكثر الابتهالات إلى الله والاستغاثات والتوسلات على ألسنة الزهاد، ويتسع ذلك فى العهد العثمانى ويتسع معه وضع الأذكار والأوراد، ومن أطول الاستغاثات استغاثه (١) محمد بن حواء المستغانمى بربه، وسميت الغوثية الكبرى فى الكرب والشدائد إذ تقع فى أربعمائة بيت، بدأها بالحمد لله والصلاة على رسوله روح الوجود ومطلع الأنوار وقدوة الأقطاب ويخرج إلى دعاء ربه والاستغاثة به إلى أن قال (٢):

يا سامع الدّعاء يا قدير ... يا من إليه ترجع الأمور

يا مالك الملوك يا جبّار ... انصر ذليلا ماله أنصار


= عنوان الدراية ص ٧١.
(١) تعريف الخلف ٢/ ٣٧٣.
(٢) نفس المرجع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>