للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه القرآن العزيز الذى هو بحر العلوم وينبوع الحكم ومعدن السياسات ومغاص الجواهر المكنونات. . الهادى من الضلالة والحاوى لمحاسن الدنيا وفضائل الآخرة».

وقد جعل الطرطوشى الكتاب فى أربعة وستين بابا خصّ أولها بمواعظ الملوك وثانيها بمقامات العلماء والصالحين عند الأمراء والسلاطين. وتتوالى الأبواب فى الخصال التى ينبغى أن يتصف بها الحكام والقضاة وغيرهم ممن يلون شئون الناس، ومن قوله فى الباب الأول واعظا للملوك:

«اعتبر بمن مضى من الملوك والأقيال، وخلا من الأمم والأجيال، وكيف بسطت لهم الدنيا وأنسئت لهم الآجال، وانفسح لهم فى المنى والآمال، وأمدّوا بالآلات والعدد والأموال، كيف طحنهم بكلكله المنون (١)، واختدعهم بزخرفه الدهر الخئون، وأسكنوا بعد سعة القصور بين الجنادل والصخور. . أما ترى الدنيا تقبل إقبال الطالب، وإدبارها فجيعة، ولذّاتها فانية، وتبعاتها باقية، فاغتنم غفوة الزمان، وانتهز فرصة الإمكان، وخذ من نفسك لنفسك، وتزوّد من يومك لغدك، ولا تنافس أهل الدنيا فى خفض عيشهم ولين رياشهم (٢) ولكن انظر إلى سرعة ظعنهم وسوء منقلبهم»

ولم يكد يترك الطرطوشى خبرا أو عظة للرسول عليه السلام والرسل الكرام والخلفاء الراشدين ومن عاصروهم وجاءوا بعدهم من الزهاد والأتقياء البررة والعبّاد والصالحين الأطهار إلا دوّنها فى كتابه مع ما ساقه فى تضاعيفه من عظاته التى تموج بها صفحاته. وهو بحق فى الذروة من الوعظ والإرشاد للناس جميعا حكاما وغير حكام.

[٤ - أعمال نثرية]

تتميز الأندلس بنفوذها إلى أعمال نثرية بديعة سقط كثير منها من يد الزمن، وبقيت منها إلى اليوم بقية رائعة، بين اعترافات عاطفية كما فى طوق الحمامة لابن حزم، وكتابات تاريخية كما فى المقتبس لابن حيان والذخيرة لابن بسام، ومذكرات لسيرة ذاتية كما فى مذكرات عبد الله بن بلقّين أمير غرناطة، وقصص خيالية فلسفية كقصة حى بن يقظان لابن طفيل، وحرى بنا أن نلم بهذه الأعمال فى كلمات مجملة.


(١) الكلكل: الصدر والمراد الثقل. المنون: الموت.
(٢) الرياش: الأثاث الفاخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>