للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كبار المالكية فى أواخر عصر أمراء الطوائف إن لم يكن أكبرهم، وقد أخذ عنه مسائل الخلاف وغيره من كتبه الكثيرة وأجاز له روايتها عنه. ورحل إلى المشرق سنة ٤٧٦ وحجّ ودخل بغداد والبصرة، وسمع من جلّة الشيوخ فى البلدتين، وسكن الشام مدة ودرّس بها، ثم سكن مصر واستقر بثغر الإسكندرية إلى أن توفى بها سنة ٥٢٠. وكان ورعا متقشفا متقللا من الدنيا راضيا منها باليسير، ودخل على الأفضل بن بدر الجمالى وزير الفاطميين (٤٨٧ - ٥١٥ هـ‍) فوعظه حتى بكى، وكان مما وعظه به:

«إن الأمر الذى أصبحت فيه من الملك إنما صار إليك بموت من كان قبلك، وهو خارج عن يدك بمثل ما صار إليك فاتّق الله فيما خوّلك من هذه الأمّة، فإن الله-عز وجلّ- سائلك عن النّقير (١) والقطمير والفتيل، واعلم أن الله-عز وجل-آتى سليمان بن داود ملك الدنيا بحذافيرها فسخّر له الإنس والجنّ والشياطين والطير والوحش والبهائم، وسخّر له الريح تجرى بأمره رخاء (٢) حيث أصاب، ورفع عنه حساب ذلك أجمع، فقال عزّ من قائل: {هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ} فما عدّ ذلك نعمة كما عددتموها، ولا حسبها كرامة كما حسبتموها، بل خاف أن يكون ذلك استدراجا من الله عز وجلّ، فقال: {هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} فافتح الباب، وسهّل الحجاب وانصر المظلوم».

وللطرطوشى مؤلفات مختلفة منها الكتاب الكبير فى مسائل الخلاف وكتاب مختصر تفسير الثعالبى وكتاب بدع الأمور ومحدثاتها وكتاب شرح رسالة ابن أبى زيد فى الفقه المالكى، وأشهر كتبه كتاب سراج الملوك الذى ألفه للمأمون البطائحى وزير الفاطميين بعد الأفضل بن بدر الجمالى (٥١٥ - ٥١٩ هـ‍) وهو وعظ للملوك والحكام وبيان لما ينبغى أن يتحلوا به من الأخلاق والسياسة الرشيدة فى الحكم، ويبين فى مقدمته منهجه فيه وغايته قائلا:

«جمعت محاسن ما انطوى عليه سير ملوك ستّ من الأمم، وهم العرب والفرس والروم والهند والسّند والسند هند، فنظّمت ما ألفيت فى كتبهم من الحكمة البالغة والسّير المستحسنة والكلمات اللّطيفة والظريفة المألوفة. . إلى ما رأيته وجمعته من سير الأنبياء عليهم السلام وآثار الأولياء وبراعة العلماء وحكمة الحكماء ونوادر الخلفاء وما انطوى


(١) النقير: ما نقر فى نواة التمر، والقطمير: القشرة الرقيقة على النواة، الفتيل: الخيط فى شق النواة والمراد أنه يسأل عن أصغر الأشياء.
(٢) رخاء: لينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>