للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل السّادس

النثر وكتّابه

[١ - الخطب والوصايا]

معروف أن الإسلام فرض فى صلاة الجمعة الأسبوعية والعيدين: الفطر والأضحى خطبتين للوعظ والنصح للمسلمين، وظل يتولى ذلك فى تونس وإقليمها كبار الفقهاء الوعاظ من علمائها الأبرار، غير أنه لم يصلنا من هذه الخطب ما نستطيع به الحديث عنها وعرض بعض نصوصها. وطبيعى أن يكون لولاتها فى القيروان وقادتها فى الحروب أو على الأقل لبعضهم خطب من حين إلى آخر، وأقدم خطبة وصلتنا عن ولاتها خطبة موسى بن نصير التى خطبها بجامع القيروان حين دخلها سنة ٨٥ فى أول ولايته على إفريقية وفيها يقول (١):

«أيها الناس! إنما كان قبلى على إفريقية أحد رجلين: سالم يحب العافية ويرضى بالدون من العطية، ويكره أن يكلم (٢) ويحب أن يسلم، أو رجل قليل المعرفة راض بالهونى، وليس أخو الحرب إلا من اكتحل السّهر، وأحسن النظر، وخاض الغمر (٣) وسمت همته، ولم يرض بالدون من المغنم، لينجو ويسلم، دون أن يكلم أو يكلم. . إن ظفر لم يزده الظفر إلا حذرا، وإن نكب أظهر جلادة وصبرا. . وبعد فإن من كان قبلى كان يعمد إلى العدو الأقصى ويترك عدوّا منه أدنى، ينتهز منه الفرصة، ويدلّ منه على العورة، ويكون عونا عليه عند النكبة، وأيم الله لا أريم (٤) هذه القلاع والجبال الممتنعة حتى يضع الله أرفعها، ويذلّ أمنعها، ويفتحها على المسلمين بعضها أو أجمعها، أو يحكم الله لى، وهو خير الحاكمين».

وبدأ موسى بن نصير بالجيوب فى الإقليم التونسى مثل جبل زغوان، ثم أخذ يمتد بفتوحه العظيمة حتى دان له المغرب جميعه، وكان شديد الطموح فمدّ بصره وراء المغرب إلى شبه جزيرة


(١) تاريخ الأدب التونسى للأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب ص ٢٦.
(٢) يكلم: يجرح.
(٣) الغمر: الشدائد.
(٤) أريم: أترك.

<<  <  ج: ص:  >  >>