للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إيبيريا وأرسل إليها طارق بن زياد وتبعه، وأتم فتحها ناشرا فيها الإسلام، كما عمل على نشره فى ديار المغرب من برقة إلى المحيط، وافتتح له إقليما كبيرا فى أوربا، ولم يترك قلعة ولا حصنا لا فى المغرب وحدها كما قال فى خطبته بل أيضا فى إيبيريا مما جعله بحق من أكبر قواد العرب على مر التاريخ. ومن كبار القواد فى الإقليم التونسى بعده أسد بن الفرات أمير الجيش الفاتح لصقلية سنة ٢١٢ هـ‍/٨٢٧ م وحين دقت الطبول والبوقات ونشرت الألوية واستعدت السفن لمغادرة ميناء سوسة للفتح تلفت حوله وخطب الجنود، وكان من قوله (١): «لا إله إلا الله وحده لا شريك له أيها الناس! ما ولى لى أب ولا جد ولاية قط، ولا رأى أحد من سلفى هذا قط، وما رأيت ما ترون إلا بالأقلام، فأجهدوا أنفسكم، وأتعبوا أبدانكم فى طلب العلم وتدوينه، وثابروا عليه تنالوا به الدنيا والآخرة».

وكان أسد شيخ فقهاء المالكية فى القيروان، واختاره الأمير زيادة الله الأغلبى لقيادة الجيش، وهو ينصح بالمثابرة فى العلم وتدوينه، فإن من يثابر فى تحصيله ويسهر الليالى يحظى بكل ما يتمناه، وقد مضى حين أرسى أسطوله على شواطئ صقلية يفتح المدن والقلاع واتجه إلى قاعدتها الكبرى: «سرقوسة» فى شرقيها، وحاصرها واستشهد فى حصارها ودفن تحت أسوارها، وتمّ فتح جميع مدنها بعده.

ومن المؤكد أن خطبا كثيرة ألقاها حكام الإقليم التونسى فى أول حكمهم-وربما فى أثنائه- ولكن الكتب التاريخية والأدبية لم تحتفظ بها، وأيضا لا بد أن كثيرا من الوصايا فى الدول التى حكمت الإقليم التونسى أوصى بها الآباء الأبناء من بعدهم سقطت من يد الزمن فيما عدا وصية أبى زكريا مؤسس الدولة الحفصية لابنه وولى عهده المستنصر، وفيها يقول (٢):

«اعلم-سدّدك الله وأرشدك، وهداك لما يرضيك وأسعدك، وجعلك محمود السيرة، مأمون السّريرة-أن أول ما يجب على من استرعاه الله فى خلقه، وجعله مسئولا عن رعيّته فى جلّ أمرهم ودقّه (٣) أن يقدّم رضا الله فى كل أمر يحاوله. . واعلم أن الأمر إذا ضاق مجاله، وقصر عن مقاومته رجاله، فمفتاحه الصبر والحزامة (٤) وأخذ الرأى من عقلاء الدولة ورؤسائها، وذوى التجارب من نبهائها، ثم الإقدام عليه، والتوكل على الله فيما لديه. . ولا تسمع أقوال الغالطين المغلّطين بأنك أعظم الناس قدرا، وأكثرهم بذلا، وأحسنهم سيرا، وأجملهم صبرا، فذاك غرور وبهتان وزور. . وعليك بتفقد أحوال رعيّتك، ولا تنم عن مصالحهم، ولا تسامح أحدا فيهم، ومهما دعيت لكشف ملمّة فاكشفها عنهم، ولا تراع فيهم كبيرا ولا صغيرا إذا عدل عن الحق،


(١) الحلل السندسية ٣/ ٧٥٣.
(٢) مجمل تاريخ الأدب التونسى ص ١٨٧.
(٣) دقه: دقيقه.
(٤) الحزامة: الحزم.

<<  <  ج: ص:  >  >>