للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الرّابع

طوائف من الشعراء

[١ - شعراء الغزل]

لعلنا لا نغلو إذا قلنا إنه لم يخل شاعر من شعراء اليتيمة والدّمية والخريدة ومن تلاهم على مر الحقب من بعض قصائد أو مقطوعات تغنىّ فيها بالحب، مصورا هذه العاطفة الإنسانية التى تملك على النفوس أهواءها وأحاسيسها ومشاعرها. ويمتلئ تاريخ الشعر العربى بأبطال لهذه العاطفة، يعيشون للحب وآماله وآلامه، يتجرّعون غصصه فى صبر، مهما ألمّ بهم اليأس وما يطوى فيه من حزن. ومن أطرف الأشياء حقا أن نقرأ شعر أحد هؤلاء الأبطال وما يعانون من وجد لا يشبهه وجد وخطوب لا تدانيها خطوب. وهم دائما من العشاق العذريين الذين يتعمقهم الحب ويستأثر بقلوبهم، ويفتنهم فتنة لا يستطيعون الخلاص منها، حتى لتصبح المحبوبة كأنها معبودة، فهم يحبونها، بل يقدسونها، ويقدمون لها الأشعار، بل التراتيل التى يتغنون فيها بسحرها سحرا يشغلهم عن كل شئ وعن كل متاع فى الحياة إلا ما يكون من الغرام العنيف وما ينسج فيه العاشق بشعره من شباك الأمل والتضرع والاستعطاف. وهذا اللون من الحب العذرى العفيف الذى يتحول فى قلب صاحبه إلى ما يشبه جذوة من النار لا تنطفئ أبدا قديم فى الشعر العربى منذ العصر الجاهلى، وأصبح ظاهرة عامة فى بوادى نجد والحجاز طوال العصر الأموى، وظل حيّا بقوة فى العصرين: العباسى الأول والعباسى الثانى، وكانت ترافقه من قديم من موجة من الغزل المادى اتسعت مع العصر العباسى الأول وما كان به من فنون اللهو والمجون على نحو ما يصور ذلك بشارو أبو نواس. غير أن الشعراء التالين حاولوا أن يخففوا من حدة هذا المجون والعبث، بما أشاعوا فى غزلهم من عفة ومن نقاء وطهارة، على نحو ما هو معروف عن أبى تمام والبحترى وابن الرومى وأضرابهم، ومع ذلك كانت لا تزال تظهر فى بغداد وغير بغداد جماعات من الغزلين الماجنين. ولعل ذلك هو الذى دفع المتنبى فى أوائل هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>