والنبطية بذلك كله تعد وثيقة الصلة بعربية الجاهلية، وهو طور قريب منها قربا شديدا. ومن المؤكد أن العرب أخذوا يتطورون بلغتهم تطورا سريعا فى القرون الأولى للميلاد بالضبط كما أخذوا يتطورون بالخط النبطى مشتقين منه خطهم العربى على نحو ما مر بنا فى غير هذا الموضع.
[٣ - نشوء الفصحى]
ليس من السهل تحديد الزمن الذى اتخذت فيه لغتنا العربية شكلها النهائى الذى تصوره الفصحى الجاهلية، وهو شكل كامل النضج سواء من حيث الإعراب والتصريف والاشتقاق أو من حيث التنويع الواسع فى الجموع والمصادر وحروف العطف وأدوات الاستثناء والنفى والتعريف والتنكير والانتهاء بالممنوع من الصرف إلى نظام تام منضبط مضافا إلى ذلك، احتفاظها بحروف ومخارج لم تحتفظ بها لغة سامية احتفاظا كاملا، وهى الثاء والخاء والذال والظاء والضاد والغين.
وهذه الصورة التامة لفصحانا لم تصل إليها إلا بعد مراحل طويلة من النمو والتطور، وقد رأينا نماذج منها فى نقوش كتبت بأبجدية مشتقة من أبجدية المسند الجنوبى، وهى نقوش الثموديين واللحيانيين والصفويين، ونقوش أخرى كتبت بأبجدية الآراميين، وهى نقوش النبطيين، غير أنها جميعا لا تصور هذا التكامل الذى انتهت إليه الفصحى، والذى تمثله نصوص العصر الجاهلى منذ أواخر القرن الخامس الميلادى، وأوائل السادس، فهل تم لها ذلك التشكل النهائى مع ظهور الشعر الجاهلى أو أن ذلك تمّ فى حقب أبعد منه؟ .
ليست الإجابة على هذا السؤال سهلة يسيرة، لسبب بسيط أو طبيعى، وهو