على كبده خشية تفتته داعيا لخبزه أن لا يأتى الدهر عليه كما أتى على لبد. وكان يهاجى رشيد الدين عبد الرحمن النابلسى ويزعم أنه صفع وأنه معتاد الصفع دائما يقول:
تعجّب قوم لصفع الرشيد ... وذلك ما زال من دابه
رحمت انكسار قلوب النّعال ... وقد دنّسوها بأثوابه
فو الله ما صفعوه بها ... ولكنهم صفعوها به
وله أهاج كثيرة فى القاضى الفاضل وكبار رجال الدولة بدمشق وجهابذة قضاتها وشيوخها، وهو فيها أو على الأقل فى بعضها يفحش إفحاشا شديدا، مما دفعنا إلى إخلاء هذا الكتاب منها، لا لفحشها فحسب: بل لأن ما يخلو منها من الفحش أيضا إنما هو افتراء وبهتان.
ابن (١) النحاس
هو فتح الله بن النحاس الحلبى المعروف باسم ابن النحاس اشتهر بطوافه فى البلدان الشامية والمصرية والحجازية، كان جميل الصورة فى صباه ومطالع شبابه، ثم أصيب بمرض بدّل محاسنه وزهده فى الحياة. ونراه فى شعره يرثى تلك الأيام أسفا محزونا، ويقال إنه تزيّى بزى الزهاد ورحل عن بلده، ودخل دمشق فاستقبله أدباؤها وشعراؤها استقبالا كريما. وكان لهم مجالس يتطارحون فيها الشعر، وكانوا يجتمعون فى نزه دمشق، ويتحاورون ويتحدثون ويذكرون كثيرا من الدعابات والفكاهات. وانعقدت صلة متينة بينه وبين ابن منجك الذى تحدثنا عنه بين شعراء المديح، وله فيه مدائح كثيرة. ورحل عن دمشق إلى القاهرة فوجد من أدبائها أهلا ومكانا طيبا، وهاجر منها إلى مكة، وألقى عصا تسياره بالمدينة، إلى أن توفى سنة ١٠٥٢ للهجرة. ويقول فيه المحبى فى كتابه: نفحة الريحانة: «أنا لا أجد عبارة تفى فى حقه بالمدح، فأرسلت اليراع وما يأتى به على الفتح، وناهيك بشاعر لم يطنّ مثل شعره فى آذان الزمان، وساحر إذا أشربت كلماته العقول استغنت عن الكئوس والندمان».
وابن النحاس شاعر مجيد، بالقياس إلى زمنه أيام العثمانيين، وشعره استنفده فى المديح، ويكثر فى مقدماته من الغزل، وقد يفزع إلى الفخر بمثل قوله:
(١) انظر فى ابن النحاس وشعره سلافة العصر ص ٢٧٦ وخلاصة الأثر ٣/ ٢٥٧ ونفحة الريحانة ٢/ ٥٠٧ وديوان ابن النحاس مطبوع قديما فى بيروت بالمطبعة الأنسية.