للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك لم ينج من هجائه إذ يقول حين ولاه مع البها بن أبى اليسر التنوخى أمر الرعية:

أرى ابن عنين؟ ؟ ؟ والبها مذ تولّيا ... على الناس ولّى الخير عن كل مسلم

فو الله يا عيسى بمن شئت منهما ... لعنت ولو كنت المسيح بن مريم

وحقّا هجا نفسه معه، ولكن هذا لا يعفيه من قسمه له بأنه لعن لتوليته هو وصاحبه. وهجا نفسه فى ديوانه غير مرة، وكأنه يعيد لنا الحطيئة شاعر الهجاء القديم وهجاءه لنفسه، وأيضا فإنه استعار منه-كما مرّ بنا-هجاءه لأبيه. وأهداه طبيب عيون-أو كما كانوا يقولون كحال-خروفا هزيلا جدا فكتب إليه أهجية طويلة يقول فيها:

أتانى خروف ما شككت بأنّه ... حليف هوى قد شفّه الهجر والعذل

إذا قام فى شمس الظهيرة خلته ... خيالا سرى فى ظلمة ماله ظلّ

فناشدته ما تشتهى قال قتّة ... وقاسمته ما شفّه قال لى الأكل

وظلّ يراعيها بعين ضعيفة ... وينشدها والدمع فى الخدّ منهلّ

أتت وحياض الموت بينى وبينها ... وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل

والبيت الأخير لأعرابى وضعه بدقة فى موضعه من القطعة، وقد جعل الخروف الهزيل نضو عشق شفه الهجر واللوم، ويقول كأنه خيال فى ظلام ليس له ظل، وهى صورة بديعة ويستحلفه ما يشتهى فيقول قتة أو عشب يابس وأحضرها له، فظل يراعيها بعين ذابلة توشك أن تودع الحياة ودموعه منهلة على خدوده، فقد أتته وهو يكاد يلفظ أنفاسه. وجادت عليه بوصل لم يعد ينفعه فروحه فى الحلقوم.

ويصور ابن عنين بخيلا شحيح النفس كان يدعو أصدقاءه مرة كل عام ضجرا متبرما، متمنيا أن لا تتكرر هذه الدعوة أبدا، ومدّت المائدة وأخذ الأصدقاء يتناولون الطعام، ويصفه ابن عنين حينئذ قائلا:

عهدى به واليد اليمنى يكفّ بها ... غرب المدامع والأخرى على الكبد

يقول للخبز: لا يبعد مداك ولا ... أخنى عليك الذى أخنى على لبد

ولبد آخر نسور لقمان فى قصة مشهورة، وهذا الشحيح يستر غرب دمعه بيد ويضع الأخرى

<<  <  ج: ص:  >  >>