ويصهرون إليهم، ولذلك يرى بعض الباحثين المعاصرين منهم أنهم ليسوا خوارج إذ لا يخرجون على الدين الحنيف وتعاليمه إنما هم فرقة إسلامية كانت-ولا تزال-ترى أن تكون الخلافة- أو إمامة المسلمين-جمهورية، فالمسلمون يختارون لها أكفأهم وأولاهم بحكمهم وتحقيق العدل بينهم، وهم-إلى ذلك يختلفون مع أهل السنة مالكية وغير مالكية وجوها من الاختلاف، من ذلك أنهم-مثل المعتزلة-ينفون تشبيه الله بالمخلوقين نفيا مطلقا، والآيات القرآنية التى قد يفيد ظاهرها ذلك تؤوّل كما أوّلها المعتزلة، وهم مثلهم يرون أن صفات الله عين ذاته الكاملة كمالا مطلقا ويرون أن مرتكب الكبيرة إن مات على غير توبة خلد فى النار، بينما يذهب أهل السنة إلى أن أمره مفوّض إلى مشيئة ربه إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له لقوله تعالى:{إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ}. ويذهبون إلى أن الإيمان لا يكفى فيه القول وحده، بل لا بد من العمل معه بحيث لا يعد المسلم مؤمنا إلا إذا أدّى جميع الفروض الدينية. وكان أهل السنة يرون أن تظل الخلافة فى قريش، بينما يرى الإباضية-كما أسلفنا-أنها حق للمسلمين جميعا يتولاها أصلحهم لها. وكلها خلافات يمكن عدّها خلافات فرعية لفرقة إسلامية.
(د) المعتزلة (١)
أخذ واصل بن عطاء إمام المعتزلة بل مؤسس مذهب الاعتزال يتألق-فى أواخر العصر الأموى-فى عملين كبيرين: وعظه المؤثر فى الناس ودعوته لهم أن يعتنقوا مذهبه فى الاعتزال ومبادئه التى كان يدعو لها، وفى مقدمتها مسألة مرتكب الكبيرة وهل يعد مؤمنا أو كافرا، وكانت المرجئة تعده مؤمنا وكان الخوارج من الصفرية والأزارقة يعدونه كافرا وكان أهل السنة يعدونه مؤمنا فاسقا، وعدّه الإباضية كافر نعمة لا كافر ملة، ونفذ واصل إلى القول بأنه فى منزلة وسطى بين منزلتى الإيمان والكفر، وأضاف إلى هذا المبدأ فى الاعتزال أربعة مبادئ أخرى هى وحدانية الله وتنزيهه عن الشبه بالمخلوقات، ومرّ بنا أن الإباضية يأخذون بهذا المبدأ الاعتزالى، ومبدأ ثان هو العدل على الله وتترتب عليه حرية الإرادة عند الإنسان بحيث يحاسب على عمله فلا جبر ولا قدر مقدور كما يرى ذلك أهل السنة والإباضية، ومبدأ ثالث انفاذ الوعد بثواب المتقين المؤمنين والوعيد بعذاب العاصين الكافرين، ومبدأ رابع هو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وكان واصل ينفذ إلى القلوب بوعظه المؤثر وإلى العقول ببراهينه الساطعة لمبادئه الاعتزالية، وأعجب به فى المجالين شباب موطنه البصرة إعجابا شديدا، واتخذهم دعاة يدعون إلى نحلته الاعتزالية، فى أطراف الأرض ويصور ذلك صفوان الأنصارى فى مدحته له التى أنشدها الجاحظ فى أوائل الجزء الأول من بيانه قائلا:
(١) انظر فى مبادئ المعتزلة الملل والنحل للشهرستانى وكتابنا عن العصر العباسى الأول، وراجع فى قصيدة صفوان الجزء الأول من البيان والتبيين، وانظر فى مجادلاتهم للإمام الإباضى عبد الوهاب وعلماء الإباضية وثورة جموعهم عليه الجزء الثالث من تاريخ المغرب الكبير لدبوز.