للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(ج‍) نمو الحركة العلمية]

تأخذ الحركة العلمية بالنمو فى المغرب الأقصى منذ قامت الدولة الإدريسية، فإنه نزل بفاس فى عهد إدريس الثانى كثيرون من أهل الأندلس الذين قادوا الثورة ضد الحكم الربضى ويقال إنهم كانوا نحو أربعمائة أسرة وكان بينهم كثيرون من الفقهاء، إذ كانوا هم أصل تلك الثورة، وشغلوا شطرا من فاس سمى بالعدوة الأندلسية، وسرعان ما أخذ فقهاء الجامع يلقون فيه دروسهم منذ أواخر القرن الثانى وأوائل الثالث للهجرة، حتى إذا كنا فى منتصف هذا القرن وبنت السيدة الجليلة فاطمة أم البنين الفهريّة جامع القرويين فى عدوة فاس المغربية المقابلة أخذ شيوخ الجامعين يتنافسون فى تعليم الشباب الفاسى، ويظل لهذا النشاط العلمى آثاره فى المغرب الأقصى بعد القضاء على الدولة الإدريسية بفاس فى أواخر القرن الثالث الهجرى، ويعود هذا النشاط بقوة فى عهد المرابطين الذين قاموا لإنقاذ المغرب الأقصى مما كان فيه من فئات ضالة كبقايا الصفرية فى سجلماسة وبعض الأنحاء وكالمعتزلة فى البصرة والشمال الغربى وكالبرغواطية فى تامسنة وكالبجلية الشيعية الروافض فى ترودنت بالسوس وبذلك وحّدوا المغرب الأقصى وأخذوا يردونه إلى أحضان السنة باعثين فيه حركة علمية ناشطة، وما إن توافى سنة ٤٧٩ هـ‍/١٠٨٦ م وحتى ينزل أمير المرابطين يوسف بن تاشفين على رأس جيش ديار الأندلس ويهزم ألفونس أمير قشتالة ونصارى الإسبان وأوربا معه هزيمة ساحقة فى الزلاقة، ويضم الأندلس إلى دولته المغربية. ومن حينئذ تنمو الحركة العلمية فى المغرب الأقصى نموا واسعا، إذ أخذت تلتحم تدريجا بالحركة العلمية الأندلسية، فقد أخذ علماء الأندلس يفدون عليه، كما أخذ طلابه وعلماؤه يفدون على الأندلس، وكان يوسف بن تاشفين بعيد النظر، فعمل على جلب علماء الأندلس إلى عاصمته مراكش حتى ليقول صاحب المعجب: «انقطع إليه من جزيرة الأندلس من أهل كل علم فحوله حتى أشبهت حضرته حضرة بنى العباس فى صدر دولتهم، واجتمع له ولابنه على (٥٠١ هـ‍/١١٠٨ م-٥٣٧ هـ‍/١١٤٣ م) من أعيان الكتّاب وفرسان البلاغة ما لم يتفق اجتماعه فى عصر من الأعصار» وفى موضع آخر يقول: «لم يزل أمير المسلمين على بن يوسف بن تاشفين من أول إمارته يستدعى أعيان الكتاب من جزيرة الأندلس، وصرف عنايته إلى ذلك، حتى اجتمع له منهم ما لم يجتمع لملك».

ومنذ هذا التاريخ يصبح المغرب الأقصى والأندلس دار علم وأدب واحدة، وكثير من العلماء والأدباء فى القطرين قضوا شطرا من حياتهم فى وطنهم والشطر الآخر فى الوطن الثانى. وتنبه إلى ذلك مؤلفو كتب التراجم كما سنرى عما قليل. ويتحول الحكم إلى الموحدين، ويقول صاحب المعجب عن عبد المؤمن المؤسس الحقيقى لدولتهم: «كان مؤثرا لأهل العلم محبا لهم محسنا إليهم يستدعيهم من البلاد إلى الكون عنده والجوار بحضرته، ويجرى عليهم

<<  <  ج: ص:  >  >>