الأرزاق الواسعة، ويظهر التنويه بهم والإعظام لهم». واتخذ-حسب تعليمات أستاذه ابن تومرت-عشرة مع خمسين من الأشياخ بينهم رؤساء القبائل وطائفة كبيرة من الدعاة كانوا يسمون باسم الطلبة، وكانوا يعدّون للدعوة إعدادا علميا. ويقول صاحب المعجب عن ابنه يوسف سلطان الموحدين إنه كان يحفظ أحد الصحيحين-الشك منه كما يقول-إما البخارى وإما مسلم. . مع ذكر جمل من الفقه، وكان له مشاركة فى علم الأدب واتساع فى حفظ اللغة وتبحر فى علم النحو، وتعلم الفلسفة وجمع كثيرا من أجزائها وكتبها واجتمع له منها قريب مما اجتمع للحكم المستنصر الأموى، ولم يزل يجمع الكتب من أقطار الأندلس والمغرب ويبحث عن العلماء، وخاصة أهل علم النظر إلى أن اجتمع له منهم ما لم يجتمع لملك قبله ممن ملك المغرب، وكان ممن صحبه من العلماء المتقنين أبو بكر محمد بن طفيل أحد فلاسفة المسلمين، ولم يزل أبو بكر هذا يجلب إليه العلماء من جميع الأقطار وينبّهه عليهم ويحضه على إكرامهم، وهو الذى نبهه على أبى الوليد بن رشد». وفى أيام ابنه يعقوب بلغت دعوة الموحدين ضد أصحاب المذاهب الأربعة الذروة إذ أمر بإحراق كتب الفروع عامة سواء للمالكية أو الحنفية أو الشافعية أو الحنبلية، وكان قصده محو مذهب مالك وحمل الناس على الظاهر من القرآن والحديث، وهذا المقصد بعينه كان مقصد أبيه وجده، وأمر المحدثين بجمع أحاديث من كتب الصحاح الستة وسنن البزار وأبى شيبة والدار قطنى والبيهقى فى الصلاة وما يتعلق بها، وكان يمليه بنفسه على الطلبة ويأخذهم بحفظه. ولا بد أن نذكر ما أسلفناه من أنه تم فى عهد الموحدين الامتزاج العلمى والأدبى بين القطرين المغربى والأندلسى حتى لنرى كتّاب التراجم الأندلسيين حين يؤلفون كتابا يمزجون فيه بين علماء القطرين إذ يجعلونه لهما جميعا على نحو ما يلاحظ فى كتاب الصلة لابن بشكوال المتوفى سنة ٥٧٨ هـ/١١٨٢ م وكانت عناية المرينيين بالعلم وأهل الأدب لا تقل عن عناية الموحدين ومر بنا ما حكاه ابن مرزوق والوزان عن عنايتهم بتشييد المدارس وفرض الرواتب فيها للأساتذة والإنفاق على الطلاب وكسوتهم، ويطيل الوزان الوصف لمعهد بناه السلطان المرينى أبو عنان (٧٤٩ هـ/١٣٤٩ م- ٧٥٨ هـ/١٣٥٨ م) ويذكر أن فيه ثلاثة أروقة مسقوفة تتحلى بجمال لا يتصوره عقل، والأعمدة منمقة بألوان متباينة والقناطر بين الأعمدة مكسوة بالفسيفساء وبالذهب الصافى وباللازورد، والسقف من خشب مجزع، ويختم وصفه الطويل للمدرسة بأن نفقاتها ارتفعت إلى أربعمائة وثمانين ألف دينار.
ومنذ أوائل هذه الدولة يشعر المغاربة بتعمق أنهم والأندلسيين الذين هاجروا إليهم بعد سقوط مدنهم الكبرى فى حجر الإسبان إخوة تجمعهم أواصر كثيرة، بل لقد كان هذا الشعور يتعمقهم منذ عصر دولة المرابطين غير أنه ازداد عمقا بكثرة من هاجر إليهم من إخوانهم الأندلسيين فى القرن السابع الهجرى، وهو ما جعل المغربى من أمثال محمد بن عبد الملك