ومضيت إلى السودان وتحدثت عن جغرافيته وتاريخه القديم وعلاقته بمصر الفرعونية منذ عهد الأسرة الأولى، وكانت أراضى السودان فى حوض النيل تسمى أرض النوبة، وبها تكونت ثلاث دول: نوبية شمالية ووسطى باسم مقرة وجنوبية تحت الخرطوم باسم علوة، وتنصرت هذه الدول معتنقة المذهب اليعقوبى المصرى. وفى سنة ٣١ هـ/٦٥٢ م أرسل إلى النوبة عبد الله بن سعد بن أبى سرح والى مصر لعثمان حملة توغلت حتى دنقلة. وأخذت تنزل إقليم البجّة شرقى السودان قبائل وعشائر عربية سيطرت على معدن الذهب بوادى العلاقى الممتد من أسوان إلى ميناء عيذاب، وتغلغل المسلمون فى أرض النوبة لعهد الفاطميين حتى علوة فى الجنوب. وتنشب حروب بين النوبة والمماليك وتقوم فى دنقلة أول دولة إسلامية سنة ٧١٦ هـ/١٣١٧ م وتأخذ المسيحية فى التضاؤل بإقليمها وإقليم علوة. وكان انتشار الإسلام فى غربى السودان أسرع منه فى بلاد النوبة، نشره هناك تجار الكانم والبرنو وكتلة ضخمة من قبيلة زواوة البربرية وعرب الشاوية، وتكونت فى إقليمى وادان ودارفور مملكة إسلامية منذ القرن الخامس الهجرى. وتقوم دولة الفونج الإسلامية فى سنار أوائل القرن العاشر الهجرى/السادس عشر الميلادى لمدة ثلاثة قرون، وتتخذ العربية لغة رسمية لها وتحدث فى البلاد نهضة علمية وأدبية وتضعف فى أواخر أيامها. ويفتح محمد على السودان سنة ١٨٢٠ م ويضم إليه مينائى مصوّع وسواكن على البحر الأحمر، وأهم من خلفه الخديوى إسماعيل، وينشئ خمس مدارس فى العواصم الكبرى ويشرك السودانيين فى الحكم ويستولى على مرتفعات إريتريا، وأخطأ بتعيينه صموئيل بيكر ثم غردون الإنجليزيين حاكمين لإقليم منطقة البحيرات فى أعالى النيل. ويقوم المهدى بحركته الدينية الإصلاحية ويدين له السودان بجميع أرجائه، ويخرج منه الجيش المصرى، ويتوفى المهدى سريعا ويخلفه عبد الله التعايشى وينتصر على الحبشة مرارا، ويمد المصريون خطا حديديا من وادى حلفا إلى أبى حمد ليساعد جيشهم فى تحركاته ضد التعايشى، وكان يقوده كتشنر الإنجليزى، وانتصر على جيش التعايشى نصرا حاسما فى أم درمان، وتوفى التعايشى وقام فى البلاد الحكم الثنائى المصرى الإنجليزى فى أول سنة ١٨٩٩ للميلاد، وبمقتضى وثيقة سياسية جمعت مقاليد الحكم فى السودان لحاكم إنجليزى كان أشبه بحاكم مستقل، ووضعت للسودان نظم جديدة للشئون المالية والإدارية والتعليم والقضاء والمصالح الحكومية، وأنشئت كلية غردون حتى إذا كانت سنة ١٩٢٤ للميلاد قامت فى السودان ثورة ضخمة تعد بدءا لعصره الحديث.
ولا نصل إلى القرن العاشر الهجرى حتى يصبح السودان بلدا إسلاميا، وإن بقيت بعض جيوب مسيحية ووثنية، وفسحت دول الفونج الإسلامية للتصوف والصوفية وانتشرت الطريقتان القادرية والشاذلية وعمت النزعة الصوفية فى جميع أرجاء السودان. وكانت للمرأة السودانية