للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مكانة مهمة اجتماعية وروحية، فكانت تحضر دروس العلماء وحلقات الصوفية وتنتظم بين مريديهم وتنشد أحيانا فى حلقات الذكر. وكان بعض الصوفية يتشدد فى العهد الذى يلزم به أتباعه كعهد أحمد ود مريم الذى يدل على ما أتاح التصوف لأهل السودان من تربية خلقية قويمة. وشجع محمد على الطرق الصوفية المصرية على أن ترسل بعض دعاتها إلى السودان. وأرسل الشيخ أحمد بن إدريس الصوفى المكى أحد دعاته إلى السودان وهو محمد عثمان الأمير غنى، فنشر طريقته من وادى حلفا إلى دنقلة وفى كردفان. ونزلت السودان طرق صوفية كالطريقة السمانية، وهى فرع من القادرية. وظهر المهدى بطريقة جديدة دعا فيها إلى ستة مبادئ هى: الزهد، والعمل بالشريعة المحمدية، والأخذ بالبساطة فى الحياة ومتاعها، ونبذ جميع الطرق الصوفية، ونبذ كتب النحل الدينية وكتب فقهاء المذاهب الأربعة، والهجرة إلى مراكز دعوته. وظلت هذه المبادئ حية فى عهد خليفته التعايشى وانتهت الدعوة بوفاته. وعادت الطرق الصوفية إلى نشاطها القديم.

وكانت الناشئة فى السودان تحفظ القرآن الكريم فى الكتاتيب والخلوات، وتنتقل بعد ذلك إلى دراسة العلوم بالمساجد والزوايا على شيوخ بلغت حلقات بعضهم ألف طالب أو تزيد، وظلت الحركة العلمية فى عهد دولة الفونج نشيطة بل مزدهرة وأرّخ لها ود ضيف الله فى كتابه الطبقات، وفيه ترجم لنحو مائتين من أعلام الشريعة والعربية والتصوف، وأفاض فى ذكر من درسوا من علماء السودان فى الأزهر والمدينة بالحجاز كما أفاض فى ذكر علماء الأزهر الذين رحلوا إلى السودان لتعليم أبنائه شريعة الإسلام وعلوم العربية والكلام والأصول والمنطق. ولما فتح محمد على السودان شجّع علماء الأزهر على الهجرة إليه، ويقال إنه شجّع بعض الطلاب السودانيين على الالتحاق بمدرسة المبتديان، وأنشأ الجامع العتيق بالخرطوم ليكون معهدا دينيا كبيرا على غرار الأزهر، وأنشأ خليفته وحفيده عباس الأول مدرسة بالخرطوم جعل ناظرها رفاعة الطهطاوى، وأغلق المدرسة سعيد خليفته، غير أن إسماعيل أمر بإنشاء خمس مدارس فى عواصم المديريات ومدرسة سادسة فى مدينة سواكن. ووقف المهدى هذا النشاط التعليمى حتى إذا قام الحكم الثنائى المصرى الإنجليزى عاد وازداد إذ أنشئت كلية غردون وكثرت المدارس الحكومية وغير الحكومية وأنشئت مدارس أولية ووسطى فنية، وأنشئت مدرسة للبنات ثم أربع أخرى، وتعددت مدارس الإرساليات الدينية، وأنشئ معهد دينى فى أم درمان، ونما التعرف على الثقافة الغربية الحديثة وتعلم اللغات الأجنبية وخاصة الإنجليزية، وأنشئ ناد للخريجين تبارى فيه الخطباء، ينادون بالإصلاح الاجتماعى والسياسى.

وكان أول نزول للعرب المسلمين بالسودان فى حملة وجّه بها عبد الله بن سعد بن أبى سرح والى الخليفة عثمان على مصر، وتوغلت الحملة-كما ذكرنا-حتى دنقلة وأخذ كثير من قبائل

<<  <  ج: ص:  >  >>